ومعه شيخ الفقراء بزاوية (....) ، (١) فأجابهم إلى التأمين ، وردّهم باستدعاء الوجوه والقضاة ، فخرجوا إليه متدلّين من السور بما صبّحهم من التقدمة ، فأحسن لقاءهم وكتب لهم الرقاع بالأمان ، وردّهم على أحسن الآمال ، واتفقوا معه على فتح المدينة من الغد ، وتصرّف الناس في المعاملات ، ودخول أمير ينزل بمحل الإمارة منها ، ويملك أمرهم بعزّ ولايته.
وأخبرني القاضي برهان الدين أنه سأله عنّي ، وهل سافرت مع عساكر مصر أو أقمت بالمدينة ، فأخبره بمقامي بالمدرسة حيث كنت ، وبتنا تلك الليلة على أهبة الخروج إليه ، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع ، وأنكر البعض ما وقع من الاستنامة إلى القول. وبلغني الخبر من جوف الّليل ، فخشيت البادرة على نفسي ، وبكرت سحرا إلى جماعة القضاة عند الباب ، وطلبت الخروج أو التدلّي من السّور ، لما حدث عندي من توهمات ذلك الخبر ، (٢) فأبوا عليّ أولا ، ثم أصخوا لي ، ودلّوني من السور ، فوجدت بطانته عند الباب ، ونائبه الذي عيّنه للولاية على دمشق ، واسمه شاه ملك ، من بني جقطاي أهل عصابته ، فحيّيتهم وحيّوني ، وفدّيت وفدّوني ، وقدّم لي شاه ملك ، مركوبا ، وبعث معي من بطانة السّلطان من أوصلني إليه. فلما وقفت بالباب خرج الإذن بإجلاسي في خيمة هنالك تجاور خيمة جلوسه ، ثم زيد في التعريف باسمي أنّي القاضي المالكي المغربي ، فاستدعاني ، ودخلت عليه بخيمة جلوسه ، متكئا على مرفقه ، وصحاف الطّعام تمرّ بين يديه ، يشير بها إلى عصب المغل جلوسا أمام خيمته ، حلقا حلقا. فلما دخلت
__________________
(١) بياض في الأصلين.
(٢) في السلوك سنة ٨٠٣ ورقة ٢٣٨ ب (نسخة الفاتح): «... وكان قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي بداخل دمشق ، فلما علم بتوجّه السّلطان ، (اختفى بدمشق جماعة من المماليك والأمراء ، وشاع الخبر أنّهم توجّهوا إلى مصر ليسلطنوا لاجين الجركسي ، فركب الأمراء ، وأخذوا السّلطان ، وخرجوا بغتة ، وساروا يريدون مصر). عن السلوك للمقريزي ورقة ٢٣٦) تدلى من سور المدينة ، وسار إلى تيمور ، فأكرمه ، وأجلّه ، وأنزله عنده ، ثم أذن له في المسير إلى مصر ، فسار إليها».