ذلك وجل ، فزوّرت في نفسي كلاما أخاطبه به ، وأتلطّفه بتعظيم أحواله ، وملكه. وكنت قبل ذلك بالمغرب قد سمعت كثيرا من الحدثان في ظهوره ، وكان المنجّمون المتكلّمون في قرانات العلويين (١) يترقّبون القران العاشر في المثلّثة الهوائية ، (٢) وكان يترقّب عام ستة وستين من المائة السّابعة. فلقيت ذات يوم من عام أحد وستين بجامع القرويين من فاس ، الخطيب أبا عليّ بن باديس خطيب قسنطينة ، وكان ماهرا في ذلك الفن ، فسألته عن هذا القران المتوقّع ، وما هي آثاره؟ فقال لي : يدلّ على ثائر عظيم في الجانب الشّمالي الشرقي ، من أمة بادية أهل خيام ، تتغلّب على الممالك ، وتقلب الدّول ، وتستولي على أكثر المعمور. فقلت : ومتى زمنه؟ فقال : عام أربعة وثمانين تنتشر أخباره. وكتب لي بمثل ذلك الطّبيب ابن زرزر اليهودي ، طبيب ملك الإفرنج ابن أذفونش ومنجّمه. وكان شيخي رحمهالله إمام المعقولات محمد بن إبراهيم الآبلي متى فاوضته في ذلك ، أو سايلته عنه يقول : أمره قريب ، ولا بدّ لك إن عشت أن تراه.
وأما المتصوفة فكنّا نسمع عنهم بالمغرب ترقّبهم لهذا الكائن ، ويرون إن القائم به هو الفاطميّ المشار إليه في الأحاديث النّبوية (٣) من الشيعة وغيرهم ، فأخبرني يحيى بن عبد الله حافد الشيخ أبي يعقوب البادسي كبير الأولياء بالمغرب ، إن الشيخ قال لهم ذات يوم ، وقد انفتل من صلاة الغداة : إن هذا اليوم ولد فيه القائم الفاطمي ، وكان ذلك في عشر الأربعين من المائة الثامنة ؛ فكان في نفسي من ذلك كلّه ترقّب له.
__________________
(١) الكوكبان العلويان : زحل ، والمشتري ؛ والمراد بالقران ـ عند الإطلاق ـ اجتماع المشتري ، وزحل خاصة (مفاتيح العلوم ص ٢٣٢).
(٢) المثلثة : كل ثلاثة بروج تكون متفقة في طبيعة واحدة من الطبائع الأربع. (مفاتيح العلوم ص ٢٢٦).
ولعل ابن خلدون كان يعرف أن تيمور لنك «كان يعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين ، ويقربهم ويدنيهم ، حتى إنه كان لا يتحرك بحركة إلا باختيار فلكي» ، فحدثه بهذا الحديث. وانظر المنهل الصافي ١ / ٤٢٧ أ(نسخة دار الكتب).
(٣) ذكر هذه الأحاديث في المقدمة ص ١٥١ وما بعدها ، طبع بولاق.