إلى مذاهب كثيرة تشذّ عن الحصر. وأجمع أهل السّنّة على إنكار هذه الوصية ، وأن مستند الوجوب في ذلك إنما هو الاجتهاد ، يعنون أن المسلمين يجتهدون في اختيار رجل من أهل الحق والفقه والعدل ، يفوّضون إليه النظر في أمورهم.
ولما تعدّدت فرق العلوية وانتقلت الوصية بزعمهم من بني الحنفيّة إلى بني العبّاس ، أوصى بها أبو هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله ابن عبّاس ، وبثّ دعاته بخراسان. وقام أبو مسلم (١) بهذه الدعوة ، فملك ، خراسان والعراق ، ونزل شيعتهم الكوفة ، واختاروا للأمر أبا العباس السفّاح (٢) بن صاحب هذه الدّعوة ، ثم أرادوا أن تكون بيعته على إجماع من أهل السنّة والشيعة ، فكاتبوا كبار الأمة يومئذ ، وأهل الحل والعقد ، بالحجاز ، والعراق ، يشاورونهم في أمره ، فوقع اختيارهم كلّهم على الرضى به ، فبايع له شيعته بالكوفة بيعة إجماع وإصفاق ، ثم عهد بها إلى أخيه المنصور ، (٣) وعهد بها المنصور إلى بنيه ؛ فلم تزل متناقلة فيهم ، إما بعهد أو باختيار أهل العصر ، إلى أن كان المستعصم آخرهم ببغداد. فلمّا استولى عليها هولاكو وقتله ، افترق قرابته ، ولحق بعضهم بمصر ، وهو أحمد الحاكم من عقب الرّاشد ، فنصبه الظّاهر بيبرس بمصر ، بممالأة أهل الحلّ والعقد من الجند ، والفقهاء ، وانتقل الأمر في بيته إلى هذا الذي بمصر ، لا يعلم خلاف ذلك. فقال لهذا الرّافع : قد سمعت مقال القضاة ، وأهل الفتيا ، وظهر أنه ليس لك حقّ تطلبه عندي. فانصرف راشدا.
__________________
(١) أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم الخراساني. له ترجمة واسعة في وفيات ابن خلكان ١ / ٣٥٢ ـ ٣٥٦.
(٢) أبو العبّاس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس (١٠٤ ـ ١٣٦) وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٩٩ وما بعدها.
(٣) أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (٩٥ ـ ١٥٨). تاريخ الخلفاء ١٠١ ـ ١٠٦.