الدّور المدعمة بالخشب ، فلم تزل تتوقّد إلى أن اتصلت بالجامع الأعظم ، وارتفعت إلى سقفه ، فسال رصاصه ، وتهدّمت سقفه وحوائطه ، وكان أمرا بلغ مبالغه في الشّناعة والقبح ؛ وتصاريف الأمور بيد الله يفعل في خلقه ما يريد ، ويحكم في ملكه ما يشاء.
وكان أيام مقامي عند السّلطان تمر ، خرج إليه من القلعة يوم أمّن أهلها رجل من أعقاب الخلفاء بمصر ، من ذرية الحاكم العبّاسي (١) الذي نصبه الظاهر بيبرس ، فوقف إلى السّلطان تمر يسأله النّصفة في أمره ، ويطلب منه منصب الخلافة كما كان لسلفه ، فقال له السّلطان تمر : أنا أحضر لك الفقهاء والقضاة ، فإن حكموا لك بشيء أنصفتك فيه. واستدعى الفقهاء والقضاة ، واستدعاني فيهم ، فحضرنا عنده وحضر هذا الرجل الذي يسأل منصب الخلافة ، فقال له عبد الجبّار : هذا مجلس النصفة فتكلّم. فقال : إن هذه الخلافة لنا ولسلفنا ، وإن الحديث (٢) صحّ بأن الأمر لبني العبّاس ما بقيت الدّنيا ، يعني أمر الخلافة. وإني أحقّ من صاحب المنصب الآن بمصر ، لأن آبائي الذين ورثتهم كانوا قد استحقّوه ، وصار إلى هذا بغير مستند ، فاستدعى عبد الجبّار كلا منّا في أمره ، فسكتنا برهة ، ثم قال : ما تقولون في هذا الحديث ، فقال برهان الدّين بن مفلح : الحديث ليس بصحيح. واستدعى ما عندي في ذلك فقلت : الأمر كما قلتم من أنّه غير صحيح ، فقال السّلطان تمر : فما الذي أصار الخلافة لبني العبّاس إلى هذا العهد في الإسلام؟ وشافهني بالقول ، فقلت : أيّدك الله! اختلف المسلمون من لدن وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم ، هل يجب على المسلمين ولاية رجل منهم يقوم بأمورهم في دينهم ودنياهم ، أم لا يجب ذلك؟ فذهبت طائفة إلى أنه لا يجب ، ومنهم الخوارج ، وذهب الجماعة إلى وجوبه ، واختلفوا في مستند ذلك الوجوب ، فذهب الشيعة كلّهم إلى حديث الوصية ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم أوصى بذلك لعليّ ، واختلفوا في تنقّلها عنه إلى عقبه
__________________
(١) هو أبو العبّاس أحمد بن أبي علي الحسن القسّي المتوفى سنة ٧٠١ وانظر ترجمته في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٩٢ ـ ١٩٤.
(٢) في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠٠ ، ١٠١ بعض الآثار التي تمسك بها العبّاسيون في خلافتهم.