الأمّهات. ثم أفضت مع الترجمان في تعظيم هذا القول منه ، وقلت له : وهذا ممّا يجعلني على تمنّي لقائه.
فقال الملك : وأيّ القولين أرجح عندك فيه؟ فقلت أنّه من بقيّة ملوك بابل ، فذهب هو إلى ترجيح القول الآخر. فقلت : يعكّر علينا رأي الطبري ، فإنه مؤرخ الأمة ومحدثهم ، ولا يرجحه غيره ، فقال : وما علينا من الطبري؟ نحضر كتب التاريخ للعرب والعجم ، ونناظرك. فقلت : وأنا أيضا أناظر على رأي الطّبري ، وانتهى بنا القول ، فسكت ، وجاءه الخبر بفتح باب المدينة ، وخروج القضاة وفاء بما زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها الأمان ، فرفع من بين أيدينا ، لما في ركبته من الداء ، وحمل على فرسه فقبض شكائمه ، واستوى في مركبه. وضربت الآلات حفافيه حتى ارتجّ لها الجوّ. وسار نحو دمشق ، ونزل في تربة منجك عند باب الجابية ، فجلس هناك ، ودخل إليه القضاة وأعيان البلد ، ودخلت في جملتهم ، فأشار إليهم بالانصراف ، وإلى شاه ملك نائبه أن يخلع عليهم في وظائفهم ، وأشار إليّ بالجلوس ، فجلست بين يديه ؛ ثم استدعى أمراء دولته القائمين على أمر البناء ، فأحضروا عرفاء البنيان المهندسين ، وتناظروا في إذهاب الماء الدائر بحفير القلعة ، لعلّهم يعثرون بالصّناعة على منفذه ، فتناظروا في مجلسه طويلا ، ثم انصرفوا ، وانصرفت إلى بيتي داخل المدينة بعد أن استأذنته في ذلك ، فأذن فيه ، وأقمت في كسر البيت ، واشتغلت بما طلب مني في وصف بلاد المغرب ، فكتبته في أيام قليلة ، ورفعته إليه فأخذه من يدي ، وأمر موقّعه بترجمته إلى اللسان المغلي. ثم اشتدّ في حصار القلعة ، ونصب عليها الآلات من المجانيق ، والنّفوط ، والعرّادات ، والنقب ، فنصبوا لأيام قليلة ستّين منجنيقا إلى ما يشاكلها من الآلات الأخرى ، وضاق الحصار بأهل القلعة ، وتهدّم بناؤها من كل جهة ، فطلبوا الأمان.
وكان بها جماعة من خدّام السّلطان ومخلّفه ، فأمّنهم السّلطان تمر ، وحضروا عنده ، وخرب القلعة وطمس معالمها ، وصادر أهل البلد على قناطر من الأموال استولى عليها عد أن أخذ جميع ما خلّفه صاحب مصر هنالك ، من الأموال ، والظّهر ، والخيام ، ثم أطلق أيدي النّهّابة على بيوت أهل المدينة ، فاستوعبوا أناسيها ، وأمتعتها ، وأضرموا النّار فيما بقي من سقط الأقمشة والخرثيّ ، فاتصلت النار بحيطان