أما الشروح والتعليقات التي أثبتها في حواشي الكتاب ، فهي نوافل وزيادات تعبّر في أغلب الأحيان ـ عن خبرة خاصة بمقاصد المؤلف أو موضوع الكتاب.
والكتاب ـ كما قدمت ـ مفتاح أول للذي يريد التعرف على ابن خلدون ، وقد رسم لنفسه فيه صورة لم تحل ـ لأسباب مختلفة ـ في عين معاصريه بمصر ، فصنعوا له صورة تختلف عما قاله عن نفسه أشد الاختلاف.
وهنا تبدوا الحاجة الملحة إلى نوع من العناية خاص ، يقصد فيه الوقوف عند مواطن الاختلاف هذه ، التي اعتبرت فيما بعد منافذ واسعة تسربت منها ألوان من النقد شملت الكثير من نواحي حياة ابن خلدون ، بل كادت ـ بما اتسعت ـ أن تمس الثقة بما يرويه.
ولذلك عرضت ما يقوله ابن خلدون في هذا الكتاب ، على كتب أخرى تناولت الموضوع نفسه بالحديث ، وأثبت نصها من غير تصرف فيه ليؤيد رواية ابن خلدون أو ينقضها ، وبذلك أصبح مصدر الحكم لابن خلدون أو عليه غير بعيد عن متناول الناقد النزيه.
وذكر ابن خلدون أمكنة مر بها وشاهدها حينا ، ولمناسبات غير ذلك أحيانا أخرى ، فوجب تحديد هذه الأماكن.
وإذا أبحنا لأنفسنا ـ وكان يجب أن لا نفعل ـ أن نكتفي ـ عند إخراج كتب لا تتوقف الاستفادة منها على الدقة في التحديد ـ بالدلالة العابرة والإشارة السريعة الناقصة ؛ حيث إن أسماء البلاد بتلك الكتب جاءت بطريق العرض ، ولم تقصد بالذكر لذاتها ـ أقول : إذا استبحنا ذلك في إخراج تلك الكتب ـ وفي طبيعتها ما يبرر الاكتفاء باللمحة ـ فإنه لا يصح لنا ذلك بحالة من الأحوال في هذا النوع من الكتب التي تذكر فيها الأمكنة والبلدان ذكرا ذاتيا تلمح فيه النظرة الفاحصة المستقصية.
وحيث إن البلاد وأسماءها معا ، تعرضت ـ بفعل الزمن ـ للتغير ، فقد حاولت ـ قدر جهدي ـ أن أذكر بجانبا لاسم العربي للمكان ، اسمه الذي يكتب بجانبه ـ على المصورات الجغرافية ـ بالحروف اللاتينية ، وأن أضع إزاءه كذلك خطه الطولي والعرضي محددا بالدرجات والدقائق ـ حاولت ذلك رغبة في أن يتضح المكان