التفكير ، من نشاط عقل ابن خلدون ، حينما كتب هذا النص أو قرأه.
وأحسب أن من الواجبات الأولى على قارئ هذه المخطوطات التي يتيسر فيها وصلها بمؤلفيها أن يعنى بمقدار التركز الذهني للمؤلف حين تأليفه لكتابه أو قراءته له.
والكتاب ـ إلى ما تقدم ـ يحوي حقائق تاريخية ، قال التاريخ فيها كلمته ، وعلمية انتهى العلم قبل المؤلف من تقريرها على وجه ما في المظان الأولى لها ، ولم تعد موطنا للمناقشة.
ومعنى هذا أننا لا نستطيع أن نخرج من حسابنا الرقابة التي تفرضها المقررات التاريخية والعلمية على ما يورده المؤلف من هذه الحقائق في كتابه ؛ ومن هنا جاءت ضرورة استشارة كتب هذا النوع من المعلومات ، والاستعانة بها في التنبيه على ما انحرف فيه المؤلف عن الصراط المستقيم. ولو استفسر المؤلف أيضا عن سبب خلافه للذي خرج عن ميدان الاختلاف بين العلماء ، لأقر ما نص عليه سابقوه واستقرت كلمتهم عليه.
والحديث هنا لا يتناول بطبيعة الحال ما خالف فيه المؤلف غيره مخالفة مقصودة دفعه إليها وجه من وجوه النظر ، فإن هذا رأيه ليس مما يباح فيه التبديل والتغيير ، وإنما الحديث عن المخالفة التي تقوم الدلائل القوية على أنها جاءت عفوا لم يكن للقصد فيها مجال.
ولم أهمل ـ في هذا النوع ـ ما أورده المؤلف ، بل أثبته في الحاشية للعلة التي سبق الحديث عنها.
إلى هنا والحديث لم يعد محاولة إقرار النص على الصورة التي يريد مؤلفه أن يتداوله الناس عليها.
وقد عارضته بأصوله المباشرة ، وهي تتمثل في مجموعات تنتسب إلى أصول قديمة الصدور عن المؤلف ، ومتوسطة ، وحديثة ؛ وغير المباشرة ، وهي كتب التراجم والتاريخ وغيرها مما نقل عنها ابن خلدون أو نقلت عنه ، أو تناولت ما تناوله من موضوعات.