«... وأخبرني القاضي برهان الدين أن تيمور لنك سأله عنّي ، وهل سافرت مع عساكر مصر أو أقمت بالمدينة ، فأخبره بمقامي بالمدرسة حيث كنت ، وبتنا تلك الليلة على أهبة الخروج إليه ، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع ، وأذكر البعض ما وقع من الاستنامة إلى القول ، وبلغني الخبر من جوف الليل ، فخشيت البادرة على نفسي ، وبكرت سحرا إلى جماعة القضاة عند الباب ، وطلبت الخروج أو التدلي من السوّر ، لما حدث عندي من توهمات ذلك الخبر ، فأبوا عليّ أولا ، ثم أصخوا لي ، ودلّوني من السور ، فوجدت بطانته عند الباب ، ونائبه الذي عيّنه للولاية على دمشق ، واسمه شاه ملك ، من بني جفطاي أهل عصابته ، فحيّيتهم وحيّوني ، وفديت وفدّوني ، وقدّم لي شاه ملك ، مركوبا ، وبعث معي من بطانة السلّطان من أوصلني إليه.»
نص الرحلة ص
«ولما قرب سفر تيمور لنك واعتزم علم الرحيل عن الشام ، دخلت عليه ذات يوم ، فلما قضينا المعتاد ، التفت إليّ وقال : عندك بغلة هنا؟ قلت نعم ، قال حسنة؟ قلت نعم ، قال وتبيعها؟ فأنا أشتريها منك ، فقلت : أيدك الله! مثلي لا يبيع من مثلك ، أنّما أناءخدمك بها ، وبأمثالها لو كانت لي ، فقال : أنا أردت أن أكافئك عنها بالإحسان ، فقلت : وهل بقي إحسان وراء ما أحسنت به ، اصطنعتني ، وأحللتني من مجلسك محلّ خواصتك ، وقابلتني من الكرامة والخير بما أرجو الله أن يقابلك بمثله ، وسكت وسكت وحملت البغلة ـ وأنا معه في المجلس ـ إليه ، ولم أرها بعد.».
نص الرحلة ص