عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل. وقرأ الجمهور : (فَعَمِيَتْ) بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش ، وجناح بن حبيش ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : بضم العين وتشديد الميم ، والمعنى : أظلمت عليهم الأمور ، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم ، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) ، وقرأ طلحة : يساءلون ، بإدغام التاء في السين : أي لا يسأل بعضهم بعضا فيما يتحاجون به ، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم ، فهم في عمى وعجز عن الجواب. والمراد بالنبإ : الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله. ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة ، وما يكون منهم فيه ، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحا ، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة ، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام ، وضمان له للفلاح. ويقال : إن عسى من الله واجبة.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) : نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقول بعضهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (١) ، وقائل ذلك الوليد بن المغيرة. قال القرطبي : هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة ، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء ، لا إلى المشركين. وقيل : هو جواب لليهود ، إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل ، لأمنا به ، ونص الزجاج ، وعليّ بن سليمان ، والنحاس : على أن الوقف على قوله : (وَيَخْتارُ) تام ، والظاهر أن ما نافية ، أي ليس لهم الخيرة ، إنما هي لله تعالى ، كقوله : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) من أمرهم. وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار ، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس ، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم ، ويفعلون ما لم يؤمروا به. وأنكر أن تكون ما نافية ، لئلا يكون المعنى : إنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى ، وهي لهم فيما يستقبل ، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي. وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري ، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول ، وأجيب بأن التقدير : ما كان لهم فيه الخيرة ، وحذف لدلالة المعنى. قال الزمخشري : كما حذف من قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) ، يعني : أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور. وأنشد القاسم ابن معن بيت عنترة :
أمن سمية دمع العين تذريف |
|
لو كان ذا منك قبل اليوم معروف |
وقرن الآية بهذا البيت. والرواية في البيت : لو أن ذا ، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٣١.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٣.