(مِنْ أَنْفُسِكُمْ) : فيها قولا (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) (١). أما كون حواء خلقت من ضلع آدم ، وأما من جنسكم ونوعكم. وعلل خلق الأزواج بالسكون إليها ، وهو الإلف. فمتى كان من الجنس ، كان بينهما تألف ، بخلاف الجنسين ، فإنه يكون بينهما التنافر ، وهذه الحكمة في بعث الرسل من جنس بني آدم. ويقال : سكن إليه : مال ، ومنه السكن : فعل بمعنى مفعول. (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) : أي بالأزواج ، بعد أن لم يكن سابقة تعارف يوجب التواد. وقال مجاهد والحسن وعكرمة : المودة : النكاح ، والرحمة : الولد ، كنى بذلك عنهما. وقيل : مودّة للشابة ، ورحمة للعجوز. وقيل : مودة للكبير ، ورحمة للصغير. وقيل : هما اشتباك الرحم. وقيل : المودة من الله ، والبغض من الشيطان.
(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) : أي لغاتكم ، فمن اطلع على لغات رأى من اختلاف تراكيبها أو قوانينها ، مع اتحاد المدلول ، عجائب وغرائب في المفردات والمركبات. وعن وهب : أن الألسنة اثنان وسبعون لسانا ، في ولد حام سبعة عشر ، وفي ولد سام تسعة عشر ، وفي ولد يافث ستة وثلاثون. وقيل : المراد باللغات : الأصوات والنغم. وقال الزمخشري : الألسنة : اللذات وأجناس النطف وأشكاله. خالف عزوجل بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ، ولا جهارة ، ولا حدة ، ولا رخاوة ، ولا فصاحة ، ولا لكنة ، ولا نظم ، ولا أسلوب ، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله. انتهى. (وَأَلْوانِكُمْ) : السواد والبياض وغيرهما ، والأنواع والضروب بتخطيط الصور ، ولو لا ذلك الاختلاف ، لوقع الالتباس وتعطلت مصالح كثيرة من المعاملات وغيرها. وفيه آية بينة ، حيث فرعوا من أصل واحد ، وتباينوا في الأشكال على كثرتهم. وقرأ الجمهور : (لِلْعالِمِينَ) ، بفتح اللام ، لأنها في نفسها آية منصوبة للعالم. وقرأ حفص وحماد بن شعيب عن أبي بكر ، وعلقمة عن عاصم ، ويونس عن أبي عمرو : بكسر اللام ، إذ المنتفع بها إنما هم أهل العلم ، كقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٢). والظاهر أن (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) متعلق ب (مَنامُكُمْ) ، فامتن تعالى بذلك ، لأن النهار قد يقام فيه ، وخصوص من كان مشتغلا في حوائجه بالليل. (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) : أي فيهما ، أي في الليل والنهار معا ، لأن بعض الناس قد يبتغي الفعل بالليل ، كالمسافرين والحراس بالليل وغيرهم.
وقال الزمخشري : هذا من باب اللف ، وترتيبه : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ) ، ولأنه فصل بين الفريقين الأولين بالقرينين الآخرين لأنهما زمانان ، والزمان
__________________
(١) سورة النساء : ٤ /.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٣.