بشر ، اقرأوا إن شئتم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)». وقال ابن مسعود : في التوراة مكتوب على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلى آخره. و (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) : نكرة في سياق النفي ، فيعم جميع الأنفس مما ادّخرا لله تعالى لأولئك ، وأخفاه من جميع خلائقه مما تقر به أعينهم ، لا يعلمه إلا هو ، وهذه عدة عظيمة لا تبلغ الأفهام كنهها ، بل ولا تفاصيلها. وقال الحسن : أخفوا اليوم أعمالا في الدنيا ، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، وهو تعالى الموفق للعمل الصالح. وقال الزمخشري : فحسم أطماع المتمنين. انتهى ، وهذه نزغة اعتزالية.
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) ، قال ابن عباس وعطاء : نزلت في علي والوليد بن عقبة. تلاحيا ، فقال له الوليد : أنا أذلق منك لسانا ، وأحدّ سنانا ، وأرد للكتيبة. فقال له علي : اسكت ، فإنك فاسق. قال الزمخشري : فنزلت عامة للمؤمنين والفاسقين ، فتناولتهما وكل من في مثل حالهما. وقال الزجاج ، والنحاس : نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط. فعلى هذا تكون الآية مكية ، لأن عقبة لم يكن بالمدينة ، وإنما قتل بطريق مكة ، منصرف بدر. والجمع في (لا يَسْتَوُونَ) ، والتقسيم بعده ، حمل على معنى من. وقيل : (لا يَسْتَوُونَ) لاثنين ، وهو المؤمن والفاسق ، والتثنية جمع. وقال الزجاج : ونزول الآية في علي والوليد ، ثم بين انتفاء الاستواء بمقر كل واحد منهما بالإفراد. والجمهور : (جَنَّاتُ) بالجمع. وقيل : سميت بذلك لما روي عن ابن عباس ، قال : يأوي إليها أرواح الشهداء. وقيل : هي عن يمين العرش. وقرأ الجمهور : (نُزُلاً) بضم الزاي ؛ وأبو حيوة : بإسكانها. والنزل : عطاء النازل ، ثم صار عاما فيما يعد للضيف. (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) : أي بالكفر ، (فَمَأْواهُمُ النَّارُ). قال الزمخشري : ويجوز أن يراد : فجنة مأواهم النار ، أي النار لهم مكان جنة المأوى للمؤمنين ، كقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١). انتهى وهذا فيه بعد. وإنما يذهب إلى مثل (فَبَشِّرْهُمْ) إذا كان مصرحا به فيقول : قام مقام التبشير العذاب ، وكذلك قام مقام التحية ضرب وجيع. أما أن تضمر شيئا لكلام مستغنى عنه جار على أحسن وجوه الفصاحة حتى يحمل الكلام على إضمار ، فليس بجيد.
و (الْعَذابِ الْأَدْنى) ، قال أبيّ ، وابن عباس ، والضحاك ، وابن زيد : مصائب الدنيا في الأنفس والأموال. وقال ابن مسعود ، والحسن بن علي : هو القتل بالسيف ، نحو يوم
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٤.