وأما قوله : (لَسْتُنَ) كجماعة واحدة ، فقد قلنا : إن قوله (لَسْتُنَ) معناه : ليست كل واحدة منكن ، فهو حكم على كل واحدة واحدة ، ليس حكما على المجموع من حيث هو مجموع. وقلنا : إن معنى كأحد : كشخص واحد ، فأبقينا أحدا على موضوعه من التذكير ، ولم نتأوله بجماعة واحدة. وأما (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) (١) ، فاحتمل أن يكون الذي للنفي العام ، ولذلك جاء في سياق النفي ، فعم وصلحت البينية للعموم. واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد ، ويكون قد حذف معطوف ، أي بين واحد وواحد من رسله ، كما قال الشاعر :
فما كان بين الخير لو جا سالما |
|
أبو حجر إلا ليال قلائل |
أي : لستن مثلهن إن اتقيتن الله ، وذلك لما انضاف مع تقوى الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ، ونزول القرآن في بيتهن وفي حقهن. وقال الزمخشري : (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) : إن أردتن التقوى ، وإن كن متقيات. (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) : فلا تجبن بقولكنّ خاضعا ، أي لينا خنثا ، مثل كلام المريبات والمومسات. (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : أي ريبة وفجورا. انتهى. فعلى القول الأول يكون (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) قيدا في كونهن لسن كأحد من النساء ، ويكون جواب الشرط محذوفا. وعلى ما قاله الزمخشري ، يكون (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) ابتداء شرط ، وجوابه (فَلا تَخْضَعْنَ) ، وكلا القولين فيهما حمل. (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) على تقوى الله تعالى ، وهو ظاهر الاستعمال ، وعندي أنه محمول على أن معناه : إن استقبلتن أحدا ، (فَلا تَخْضَعْنَ). واتقى بمعنى : استقبل معروف في اللغة ، قال النابغة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه |
|
فتناولته واتقتنا باليد |
أي : استقبلتنا باليد ، ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن ، إذ لم يعلق فضيلتهن على التقوى ، ولا علق نهيهن عن الخضوع بها ، إذ هن متقيات لله في أنفسهن ، والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى. قال ابن عباس : لا ترخصن بالقول. وقال الحسن : لا تكلمن بالرفث. وقال الكلبي : لا تكلمن بما يهوى المريب. وقال ابن زيد : الخضوع بالقول ما يدخل في القلب الغزل. وقيل : لا تلن للرجال القول. أمر تعالى أن يكون الكلام خيرا ، لا على وجه يظهر في القلب علاقة ما يظهر عليه من اللين ، كما كان
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٥٢.