(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك وغير ذلك فبقوا متحيرين ضلالا لا يجدون قولا يستقرون عليه ، أي فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقا له. وقيل : (ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره (فَضَلُّوا) أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال. وقيل (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى حجة وبرهان على ما يقولون ، فمرة يقولون هو بليغ فصيح يتقول القرآن من نفسه ويفتريه ومرة مجنون ومرة ساحر ومرة مسحور. وقال ابن عباس : شبه لك هؤلاء المشركون الأشباه بقولهم هو مسحور فضلوا بذلك عن قصد السبيل ، فلا يجدون طريقا إلى الحق الذي بعثك به. وقال مجاهد : لا يجدون مخرجا يخرجهم عن الأمثال التي (ضَرَبُوا لَكَ). ومعناه أنهم (ضَرَبُوا لَكَ) هذه ليتوصلوا بها إلى تكذيبك (فَضَلُّوا) عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
وقال أبو عبد الله الرازي ؛ (انْظُرْ كَيْفَ) اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك ، لم يجدوا إلى القدح سبيلا إذا لطعن عليه إنما يكون فيما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول. وقال الفراء : لا يستطيعون في أمرك حيلة. وقال السدي (سَبِيلاً) إلى الطعن.
ولما قال المشركون ما قالوا قيل : فيما يروى إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك أحد قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا ، وإن شئت جمعناه لك في الآخرة فقال : يجمع لي ذلك في الآخرة فنزل (تَبارَكَ الَّذِي). وعن ابن عباس عنه عليهالسلام قال : عرض على جبريل عليهالسلام بطحاء مكة ذهبا فقلت : بل شبعة وثلاث جوعات ، وذلك أكثر لذكري ومسألتي. قال الزمخشري في (تَبارَكَ) أي تكاثر خيرا (الَّذِي إِنْ شاءَ) وهب لك في الدنيا (خَيْراً) مما قالوا وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور انتهى. والإشارة بذلك الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الجنة والكنز في الدنيا قاله مجاهد. ويبعد تأويل ابن عباس أنه إشارة إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق والظاهر أن هذا الجعل كان يكون في الدنيا لو شاءه الله. وقيل : في الآخرة ودخلت إن على المشيئة تنبيها أنه لا ينال ذلك إلّا برحمته وأنه معلق على محض مشيئته ليس لأحد من العباد على الله حق لا في الدنيا ولا في الآخرة. والأول أبلغ في تبكيت الكفار والرد عليهم. قال ابن عطية : ويرده قوله بعد ذلك (بَلْ كَذَّبُوا