فى معظمها لهو وطرب ، وهؤلاء الكتاب اعتمدوا فيما كتبوه على كتب الأدب التى لا تخلو من مبالغة ـ كما ـ ذكرنا ـ ذلك أن الرشيد كان يغزو سنة ويحج سنة فى الغالب ، ويقود الجيوش للقضاء على الفتن الداخلية وكان رجلا عمليا فى حياته ، وأبعد ما يكون عن الأستهتار ، بدليل أنه لم يقبل أن يبقى مسلوب السلطة ، وأمور الدولة فى أيدى البرامكة ، لذا تراه ينكل بهم ويسترد سلطانه ، ولو كان ـ كما صوره بعض الكتاب ـ لعكف على اللهو والطرق ـ تاركا أمور الدولة فى أيدى البرامكة. ولم تكن حياة اللهو والطرب سوى جانبا من حياة الرشيد ، ولم تحل بينه وبين تأدية مهماته وأعبائه.
على كل حال تطوع بعض الرجال فى بغداد للقضاء على المفاسد ، فأمروا الناس بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فسالم بن سالم البلخى لم يخش فى دعوته أحد ، حتى أنه أنكر على الرشيد وشنع عليه ، فحبسه وقيده (١) كذلك نقم أسد ابن يزيد على الأمين لعبه وتهاونه فى أمر الرعية ، وارتكابه للصيد وغيره فى هذا الوقت (٢).
* * *
وينبغى أن نشير هنا إلى أن المنصور ـ مؤسس الدولة العباسية لم يهتم بمجالس اللهو والطرب لأن شغله الشاغل انحصر فى توطيد الأمن والنظام فى ربوع دولته ، فكان فى أول النهار يتصدى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والولايات والعزل والنظر فى مصالح العامه ، فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر ، فإذا صلاه جلس لأهل بيته ، ونظر فى مصالحهم الخاصة ، فإذا صلى العشاء نظر فى الكتب والرسائل الواردة من الآفاق ، وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل ، ثم يقوم إلى أهله فينام فى فراشه إلى الثلث الأخير ، ليقوم فى
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ١٥٦.
(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢٣٥.