وكانوا بطانته ، ولا يمنعهم من فسق يرتكبونه ، وكان الناس منهم فى بلاء عظيم ، وازداد نهبهم لقرى بغداد.
ولم يستجب أمير بغداد لنداء أهلها بحمايتهم ، وظلت الفوضى سائدة ببغداد لذلك لم يكن هناك بد من أن يعتمد أهل بغداد على أنفسهم فى حماية ممتلكاتهم ونسائهم وأبنائهم : فقام صلحاء كل ربض وكل درب. وتدارسوا وسائل القضاء على المفسدين ، ونهض نفر منهم يدعو الناس إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، وتزعم هذه الحركة سهل بن سلامة الأنصارى الذى علق مصحفا فى عنقه ، واجتمع حوله الناس ، وبايعوه على ما اعتزم عليه «وطاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها يتصدى للشطار ، ويقاتل المفسدين (١).
نخرج من ذلك إلى القول بأن الحياة فى بغداد لم تكن كلها مجون ولهو كما يصور ذلك بعض الأدباء ، بل كان اللهو والطرب جانبا من جوانب الحياة الإجتماعية ، وعرف طريقه فى قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة وفى بيوت تجار الرقيق والقيان وغير ذلك «وكره فريق من أهل بغداد هذا النوع من الحياة واستنكروه ، وعكفوا على المساجد يقضون فيها أوقات فراغهم حيث يستمعون إلى الفقهاء ورجال العلم ، ويستفيدون منهم ، وفريق من الناس زهد فى الدنيا والحياة المترفه التى نعم بها الكثير من البغداديين ، ولا يغيب عن الأذهان أن طبقة رجال الدين والأدب كانت تأتى فى المحل الأول من الأهمية والإعتبار قبل طبقة المغنيين والموسيقيين ، ومن ثم نظر الناس إلى رجال الدين ونظرة الأدب تختلف كل الإختلاف عن نظرتهم إلى أهل اللهو والطرب ، بل ترى بعض الفقهاء يتجنب الحديث مع الموسقيين والمغنيين ، ويتحرج منهم ، إسحاق الموصلى يكره أن يوصف بأنه مغنى.
وبهذه المناسبة نذكر أن بعض الكتاب قد أفرط فى وصف حياة الرشيد كانت
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢٠١ ه.