وضوئه وصلاته حتى يتفجر الصباح ثم يخرج فيصلى بالناس ، ثم يدخل فيجلس فى إيوانه (١).
أما الرشيد فقد اجتمع له من الجد والهزل ما لم يجتمع لغيره من بعده ، كان أبو يوسف قاضيه ، والبرامكة وزراءه ، وحاجبه الفضل بن الربيع من أنبه الناس وأشدهم تعاظما ، وشاعره مروان بن أبى حفصة ، ونديمه عمر بن العباس ، ومغنيه إبراهيم الموصلى ، ومضحكه ابن أبى مريم ، وزامره برصوما ، وزوجته أم جعفر ـ زبيده ـ وكانت أرغب الناس فى كل خير وأسرعهم إلى كل بر ومعروف (٢).
أما الأمين فكان ينفق على مجالسه أموالا جزيله ، وتفرش بأنواع الحرير ، والآنية من ذهب وفضة ، كان كثير الأدب فضيحا يقول الشعر ، ويعطى عليه الجوائز الكثيره ، وكان شاعره أبو نواس ، وقد قال فيه مدائح حسانا ، وقد وجده مسجونا فى حبس الرشيد ، فأطلقه ، وأطلق له مالا ، وجعله من ندمائه (٣).
كان الناس يقضون أوقات فراغهم فى بغداد فى الاستماع إلى الحكايات القصيره ، والنوادر الهزلية والأحاديث التى تتجلى فيها اللباقة والذكاء وذلك فى المجالس الخاصة ، أما المجالس العامه فكان يجتمع فيها كثير من الناس يستمعون إلى القصاص يروى لهم الحكايات الطوال (٤).
ومن أحسن من حدث الرشيد ، ابن عطاء الليث ، صاحب أخبار وأسمار فضلا عن علمه بالأنساب ، وكان من أظرف الناس وأحلاهم (٥).
ومن جلساء الرشيد ابن أبى مريم وكان مضحكا محدثا فكيها ، حتى أن الرشيد
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ٣٢٥.
(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢١٧.
(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢٤٢.
(٤) متز : الحضارة الإسلامية ج ٢ ص ٢٤٦.
(٥) الجاحظ : البيان والتبيين ج ١ ص ٣٤٤.