الحقيقة.
أما العلوم النقلية فهى مستندة إلى الخير عن الوضع الشرعى ولا مجال فيها للعقل إلا بإلحاق الفروع من مسائلها بالأصول (١).
لذلك ظهر فى هذا العصر نوعان من العلماء ، الأول يغلب على ثقافتهم النقل والإستيعاب ، ويسمون أهل علم ، والثانى هم الذين يغلب على ثقافتهم الإبتداع والاستنباط ، ويسمون أهل حكمة ، والعرب لم يدونوا علوم الدين ، وجرى الأمر كذلك على يد الصحابة والتابعين ، فكان الذى يتحمل نقل الشريعة القراء أى قراء كتاب الله سبحانه وتعالى والسنة المأثورة ، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث ، الذى هو فى الغالب تفسير وشرح له ، ثم احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتدوين الحديث مخافة ضياعه ، واحتيج إلى معرفة الأسانيد وللتأكد من صحتها ، ثم احتيج إلى استنباط الأحكام من القرآن والسنة ، يضاف إلى ذلك فساد اللسان ، فظهرت الحاجة إلى وضع القوانين النحوية ، وصارت العلوم الشريعة كلها مادة للإستنباط والإستخرج والقياس والتنطير (٢) ، ولذلك كان لا بد من تدوين العلوم الدينية والعربية وتم تدوين العلوم فى مستهل العصر العباسى فى كتب تداولها الناس.
والورق الذى استعمل فى الكتابة فى بغداد ، البردى ، وكان فى بغداد درب يسمى القراطيس ، وكان هذا الورق يجلب من مصر ، وفى بغداد كميات هائلة منه ، فيحدثنا الجهشيارى (٣) أن المنصور وقف على كثرة القراطيس فى خزانته فدعا أحد أعوانه وقال له : إنى أمرت بإخراج حاصل القراطيس فى خزائننا ، فوجدته شيئا كثيرا جدا ، فتولى بيعه ، وأن لم تعطى بكل دينار إلا دائقا ، فإن تحصيل ثمنه أصلح منه ، وكان الطومار فى ذلك الوقت بدرهم.
ولكن المنصور عاد فتدارك ما قد ينجم عن ذلك ، فدعا الرجال وقال له :
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ص ٥٤٣ ـ ، ٥٤٤
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ، ٤٨٤
(٣) الوزراء والكتاب ص ، ١٣٨