فكرت فى كتبنا ، وأنها قد جرت فى القراطيس ، وليس يؤمن من حادث بمصر ، فتنقطع القراطيس عنا بسببه ، فنحتاج إلى أن نكتب فيما لم تعوده عمالنا ، فدع القراطيس على حالها.
ويقول الجهشيارى ، ولهذه العلة كانت الفرس تكتب فى الجلود والرق ، ويرفضون الكتابة على الورق حتى ولى الفضل بن يحيى البرمكى الوزارة فأدخل صناعة الكاغذ ، وكتب فيه رسائل الخليفة ، وصكوكه ، واتخذه الناس فى مكاتباتهم وتصنيفاتهم وكانت سمرقند قد أشتهرت بصناعة الكاغد ، وانتقلت هذه الصناعة منها إلى بغداد ، وكانت الكتب فى بيت الحكمة من الكاغد على أن استعمال ورق البردى والورق المصنوع من الخز ظل قائما طوال العصر العباسى الأول.
ويذكر الثعالبى (١) أن كواغيد سمرقند خير أنواع الورق لأنهم أنعم وأحسن وأرفق ، وأونشى أول معمل لصناعة الورق فى بغداد ١٧٨ ه.
وتقدم فى بغداد فن الوراقة ، ويقصد به نسخ الكتب وتصحيحها ، وتجليدها وكل ما يتعلق بإخراج الكتاب ، وكان الوراقون يبيعون هذه الكتب فى دكاكينهم (٢) ، والمهتمون بالحياة الثقافية يترددون على هذه الدكاكين للقراءة أو لشراء ما يلزمهم من الكتب والمصنفات ، وكان ببغداد نحو مائة وراق (٣) ودكاكينهم أشبه بالمكتبات العامة فى يومنا هذا ، واهتم الخلفاء بإسناد الوراقة إلى رجال من ذوى الدراية والمعرفة فكان علان الشعوبى راوية عارف بالانساب والمناظرات ، بنسخ فى بيت الحكمة للرشيد والمأمون (٤).
ولا يغيب عن أذهاننا أن من أسباب ازدهار الحياة الثقافية فى بغداد تحسن أحوال الناس الاقتصادية ، فكان طلاب العلم يفدون إلى بغداد لطلب العلم على
__________________
(١) مراد كامل : بيت الحكمة ص ، ٨٥
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ، ٢٤١
(٣) اليعقوبى : البلدان ص ، ١٣٥
(٤) Noldeke : Aliterary Hist of Persia ,p ١٩٢.