علمائها أو الأستفادة منهم ، ومن ينبغ منهم يصنف المصنفات فى مختلف التخصصات (١).
لم تكن فى بغداد مدارس يتلقى فيها الطلاب تعليمهم ، وإنما كانت بها كتاتيب يثقف فيها الصبيان ثقافة عامة يحفظون فيها القرآن الكريم ويتعلمون الكتابة والحساب ، ويتقاضى المعلم أجرا على عمله (٢).
والدراسة فى الكتاتيب أشبه بالدراسة فى المدارس الإبتدائية فى يومنا هذا ، أما الدراسة المتخصصة ، فكان مقرها المسجد وضمت المساجد حلقات يدرس فيها مختلف العلوم ، ويقوم بالتدريس فيها رجال العلم من المشايخ ، فهناك حلقة للفقه وحلقة التفسير ، وحلقة الحديث ، وحلقة لعلم الكلام ، وكان الطالب يتردد على الحلقة التى تتناسب مع ميوله للون معين من العلم ، وشيخ الحلقة يتقاضى أجرا نظير مهمته ، والدولة لا تتدخل فى هذه الدراسة ، واقتصر إشرافها على عدم تعارض الدراسة وما يجرى فيها من مناقشات مع تعاليم الدين أو مع سياسة الدولة العامة ، وإذا كان المعلم ميسورا فإنه يؤدى مهمته بدون أجر إبتغاء مرضاة الله ، وكان أبو حنيفة النعمان يعمل بزازا وفى نفس الوقت يقوم بالتدريس ، والطلاب الذين يترددون على هذه الحلفات لا يستمرون فيها إلا إذا تأكد الشيخ من جديته وإقباله على الدراسة ، وذلك من خلال مناقشته له ، ولقد أظهرت هذه الحلقات مواهب كبيرة ، فنبغ من حلقة الإمام أبى حنيفة القاضى أبو يوسف ، ولم يكن الطالب يتفرغ للدراسة إنما يعمل ويدرس فى نفس الوقت (٣). والشيخ يحدد المنهج الذى يدرسه لطلابه فى المسجد إلا أن هذه الدراسات كانت تدور حول علوم الدين واللغة ، وكان القراء يجلس فى المسجد ، والقارئ يقرأ وهو يفسر لطلابه (٤).
__________________
(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٧٤
(٢) أنتونى ناتنج : العرب ص ، ١٧٤
(٣) Hitti : Hist.of the Arabs p.٣٦٣.
(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٥٢٥