اهتم العلماء فى مختلف أنحاء الدولة الإسلامية بالرحيل إلى المدن الكبرى للاتصال بالعلماء المشهورين للاستفادة من علمهم وفضلهم ، والسبب فى ذلك «أن الناس يأخذون معارفهم تارة علما وتعليما وإلقاء ، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها .. وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية فالرحلة لا بد منها فى طلب العلم ، واكتساب الفوائد» (١).
وكان الخلفاء يشجعون أهل الذمة المثقفين على الرحيل إلى الدولة البيزنطية لقراءة كتب الحكمة وترجمتها (٢).
أما الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة فكانوا يستعينون بمعلمين لتعليم أبنائهم فى قصورهم ، وقد حدد الرشيد لمؤدب ولده الأمين المنهج الذى يجب أن يعلمه وينشئ عليه ابنه الأمين ، فقال : أقرئه القرآن ، وعرفه الآثار ، ورواه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره مواقع الكلام وبدنه ، وامتعه من الضحك إلا فى وقته ، وخذه بتعظيم مشايخ بنى هاشم ، إذا دخلوا عليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ، ولا تمرن عليك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه ، فتميت قلبه ولا تمعن فى مسامحته فيستحلى الفراغ ، وعليك بالرفق به ، فإن لم يأت بالرفق فخذه بالغلظة (٣) وكان الفراء ـ وهو من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة وفنون الأدب ـ يؤدب ولدى المأمون ، وأجزل صلته على حسن تأديبه لهما (٤).
انتشرت المجالس العلمية فى بغداد التى تضم العلماء فى الدور والقصور والمساجد ، ويتناظرون فيها فى فروع العلم المختلفة ، وقد حرص الخلفاء على عقد
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ص ، ٥٤١
(٢) ابن النديم : الفهرست ص ، ٣٤١
(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ، ٢٧٨
(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٥٢٥