ومما لا شك فيه أن المفسرين أخطأوا لأنهم نقلوا هذه الأخبار فى كتبهم دون مناقشتها. على الرغم من أن الكثير منها لا يقبله العقل ولا المنطق.
أما طريقة أصحاب الرأى فهى الطريقة التى تعتمد على استنباط المعانى من النصوص عند التفسير ، على أن التفسير حتى فى بداية ظهوره كعلم من العلوم لم يتخذ شكلا منظما ، فقد اقتصر على تفسير بعض الآيات غير مرتبة بترتيب السور ، ثم انتظم التفسير بعد ذلك ، فقد ذكر ابن النديم أن عمر بن بكير كتب إلى القراء أن الحسن بن سهل ربما سألنى عن الشئ بعد الشئ من القرآن. فلا يحضرنى فيه جواب ، فقال القراء لأصحابه : اجتمعوا حتى أملى عليكم كتابا فى القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلما حضروا خرج إليهم.
وكان فى المسجد رجل يؤذن ، ويقرأ بالناس فى الصلاة ، فاتفق معه القراء على أن يقرأ للقرآن مرتبا ، ويتوقف عند كل آية ، ليفسرها القراء. ولم يعمل أحد ذلك قبله ، ويتضح لنا مما تقدم أن القراء أول من فسر القرأن بترتيب سوره وآياته ، وفسره بهذا المنهج الذى وضعه لنفسه فى أربعة أجزاء (١).
ولقد ظهرت فى العصر العباسى الأول مصنفات فى التفسير ولكنها فقدت ، نخص بالذكر منها تفسير مقاتل بن سليمان المتوفى سنة ١٥٠ ه وأصله من بلخ ، وانتقل إلى بغداد ، وقدره العلماء فى بغداد حتى أن الشافعى قال : «الناس كلهم عيال على ثلاثة ، على ابن مقاتل فى التفسير وعلى زهير بن أبى سلمى فى الشعر ، وعلى أبى حنيفة فى الكلام».
ومن التفاسير التى فقدت ، تفسير أبو إسحاق ذكر فيه أقوالا لوهب بن منبه ، وكعب الأحبار وغيرهما من الرواة عن اليهودية والنصرانية (٢).
على أن أول تفسير وصل إلينا. كان تفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة ٣١٠ ه والذى يقع فى ثلاثين مجلدا ، وهو يأخذ بالمأثور عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه والصحابة والتابعين ويحرص فى ذلك على الأخذ بالرواية
__________________
(١) ابن النديم : الفهرست ، ١٠٠
(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢ ص ، ٣٤١