وكان من أثر تشجيع الخلفاء العباسيين للفقه والفقهاء واعتمادهم عليهم ففى أمور الفقه ، أن وضع الفقهاء قواعد الفقه بدقة وعناية فى الحياة العملية (١) واختلف الفقهاء فى آراءهم الفقهية ، من هنا نشأت المذاهب الفقهية السنية ، وأخذ بعض الفقهاء بالرأى ، وأخذ آخرون بالمأثور ، ويمثل أبو حنيفة النعمان بن ثابت المذهب الأول ، فقد أخذ بالرأى بشكل كبير ، وكان داود يمثل المذهب الثانى ، وعارض الرأى بكل شدة ، وبين هذين الطرفين الشافعى وابن حنبل ، على أن الطبرى لم يضع ابن حنبل فى قائمة الفقهاء ، وإنما عده من المحدثين.
ولم يكن أبو حنيفة أول من أخذ بالرأى. إنما سبقه علماء كثيرون فى القرن الأول الهجرى. على أن أبى حنيفة تطور بالأخذ بالرأى درجة لم تكن معروفة من قبل ، وهو أول من استعمل القياس فى الفقه حتى لقد سمى الإمام الأعظم تقديرا لجهوده. ومما لا شك فيه أن أبا حنيفة قد استفاد من الفقهاء الذين سبقوه فى الأخذ بالرأى وأضاف آراءه إلى آراء اسلافه ، وقد عارض بعض الفقهاء التفكير الحر الذى درج عليه أبو حنيفة فى مذهبه «وقد حمل تلميذه أبو يوسف تعليمه ، وأدى اختلاف اثمة الفقه فى فهم بعض النصوص الفقهية ، واستنباط الأحكام منها إلى تعدد المذاهب.
ولد أبو حنفية النعمان بالكوفة سنة ٨٠ ه وتوفى فى بغداد سنة ١٥٠ ه وجده من أهل كابل ، وأدرك أربعة من الصحابة ، وكان عالما عابدا زاهدا ورعا تقيا كثير الخشوع دائم التصرع إلى الله سبحانه وتعالى ، وكان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه ، فإذا سئل فيه تفتح وسال كالوادى. وقيل : من أراد أن يتبحر فى الفقه فهو عيال على أبى حنيفة (٢).
كان أبو حنيفة إماما فى القياس ، ويحرص على الدقة فى قبول الحديث ويتحرى عنه وعن رجاله ، فلا يروى الخبر عن الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا إذا رواه جماعة ثقات ، وأجمع الفقهاء على الأخذ به (٣).
__________________
(١) على حسن عبد القادر ، نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ج ١ ص ، ٤٣
(٢) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٣٦
(٣) ابن النديم ، الفهرست ص ، ٢٨٥