يتناقسان حول الأستئثار بالسلطة والنفوذ فى حاضرة الخلافة ، وكان لا بد للخلفاء من حفظ التوازن بين الفريقين حتى لا يطغى فريق على فريق. ونلاحظ فى دراستنا لهذا الموضوع أن الخلفاء استعانوا بالفرس كما أستعانوا بالعرب ، وحينما طغى نفوذ الفرس ، نكلوا بهم وأبعدوهم ، واستعانوا بالعرب ، ومكنوا لهم ، وأدى ذلك إلى الصراع مرير بين العنصرين استمر حتى خلافة المعتصم.
حرص الخليفة المنصور على عدم التمكين لأحد العنصرين ـ العرب والفرس ـ من ازدياد نفوذه على حساب العنصر الآخر ، فكان للخليفة قواد وولاة من العرب ، وقواد وولاة من الفرس ، وكون جيشه من مضر واليمن وربيعة والخراسانية (١) ، وكما استوزر المنصور أبا يعقوب الموريانى ـ وهو فارسى ـ فقد استوزر الربيع بن يونس ـ العربى الأصل ـ وكان جليلا منفذا للأمور فصيحا حازما ، أصطحب المنصور فى رحلته الأخيرة إلى مكة المكرمة وأوصاه المنصور قبل موته. وأخذ البيعة لخليفته المهدى ، ولعيسى بن موسى من بعده ، ولما فرغ من بيعة بنى هاشم ، دعا بالقواد فبايعوا ، وبلغ من حرص المنصور على حفظ التوازن بين عنصرى السكان فى بغداد أنه لما شرع فى تأسيس بغداد قسمها ـ كما قلنا ـ أربعة أرباض وعهد إلى أربع من كبار رجال دولته بالإشراف على عمارة هذه الإرباض فكما جعل ربضا يشرف على تأسيسه الربيع بن يونس ، عهد إلى أبى يعقوب الموريانى ـ وزيره الفارسى ـ بالإشراف على أحد الأرباض (٢).
سار المهدى على سياسة أبيه فى حفظ التوازن بين عنصرى السكان فى بغداد ، فأسند حجابته إلى الربيع بن يونس ، وأختص به كما كان مع أبيه (٣) ، وأستوزر أبا عبيد الله بن معوية بن يسار مولى الأشعريين وفوض إليه تدبير مملكته فعهد إليه بالإشراف على الدواوين ، وتنظيم أمر الخراج ، وصنف فى الخراج كتابا ذكر فيه أحكامه الشرعية ، ودقائقه وقواعده ، وحرص هذا الوزير العربى على إبعاد الفرس عن المهدى ، حتى يصفو الأمر للعرب ذون سواهم ، فلما رأى تقرب
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥١ ه.
(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٦٠.
(٣) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٠٠.