الخليفة مجلسه فى صدر الإيوان فى القصر وبين يديه الحرس فى أثواب زاهية ، ويقف حوله عن يمين ويسار كبار رجال الدولة وكثيرا ما كانت الأميرات وسيدات الطبقة الراقية فى بغداد يشتركن فى حفلات موسيقية خاصة ، وأحيانا يحضر نساء قصر الخلافة مجلس غناء الخليفة. وفى هذه الحالة يجلسن خلف الستارة (١) وكان مجلس الرشيد فى بعض الأحيان يضم ألف جارية فى أحسن زى من كل نوع من أنواع الثياب ، يتخذن الحلى والجواهر (٢).
كذلك عنى كبار رجال الدولة وسائر أفراد الشعب بعقد مجالس للطرب والغناء ، وبعض هذه المجالس
يعقد فى الحدائق والبساتين يجتمع فيها أهل الطرب ، ويقضى الناس وقتا ممتعا : بل كان الملاحون يغنون فى الزلالات ، وأعجب الرشيد بغنائهم ، وأمر الشعراء بآن يقولوا شعرا يغنيه هؤلاء الملاحون (٣) وبالجملة كانت أيام الرشيد من حسنها كأنها أعراس. وكان الأمين يعقد مجالس غنائه فى قبة اتخذ لها فراشا مبطنا بأبدع الحرير والديباج المنسوج بالذهب (٤).
قلنا إن حياة الناس فى بغداد فى الفتنة التى حدثت بين الأمين والمأمون قد عمها البؤس والشقاء حتى خربت الديار ، وعفت الآثار ، وارتفعت الأسعار ، وقاتل الأخ أخاه والإبن أباه وهدمت المنازل ، وأحرقت الديار وانتهبت الأموال ، فلما عادت السكينة ، وعم الأمن والسلام ربوع بغداد ، شعر الناس أنهم فى حاجة أن يعوضوا ما فقدوا ، فلهوا ، وأفرطوا فى اللهو والطرب (٥).
وقد لعب المال دورا كبيرا فى ازدهار الفنون فى بغداد ، فتنوعت مصادر الثروة ، والمال خير وسيلة لازدهار اللهو ويسير جنبا إلى جنب مع الترف ، فيكون
__________________
(١) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ٣١٠.
(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٦٢.
(٣) المصدر السابق ج ٤ ص ١٠٢.
(٤) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٠٩.
(٥) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه.