العثمانية ، إلا أنها لم تتمكن من ذلك أبدا ، وحتى لو كانت كربلاء شيعية فهذا لا يعنى أنها إيرانية ، فمفهوم كلمة شيعي يختلف عن مفهوم كلمة إيراني.
ولكن كيف تمكنت الدولة العثمانية من جعل تلك المنطقة التي تختلف عنها اختلافا كبيرا تابعة لها مدة ٣٨٣ عاما؟ إن أهم خاصية في بنية الدولة العثمانية تكونها من عناصر مختلفة ، وهذا الوضع كان منهجا وسببا للتأسيس وبقاء الدولة ، وبالرغم من أهالي كربلاء كانوا مسلمين ، إلا أنهم كانوا يختلفون عن الأهالي السنيين الموجودين في الإدارة العثمانية لكونهم شيعة ، إلا أن هذا الاختلاف مكّن أهالي كربلاء من الحفاظ على كل خصائصهم بطريقة إيجابية.
ولم تقف الدولة العثمانية ضد أي نشاط ديني لهم كما أنها لم تعمل على إضعاف الفكر الشيعي الذي يمثل أساسا للبنية المختلفة لكربلاء ، ودليل هذا الأعمال العمرانية والتنظيمات الإدارية التي تمت بكربلاء والسماح للشيعة ببناء مدارس تحت مراقبة الدولة وخلق مشكلات أمام مجيء الزوار للأضرحة ، وكل هذا يعد مؤشرا على أن الدولة العثمانية لم تقف ضد الفكر الشيعي ، ويمكننا أن نخرج بتلك النتيجة من السياسة التي اتبعتها الدولة العثمانية : فلم ترفض الدولة العثمانية الجعفرية حتى وإن كان هذا بشكل ضمني ، ولكنها لم تعترف به بصفة رسمية ، لأن اعترافها بهذا المذهب بصفة رسمية سيكسب المشروعية الدولة الشيعية الإيرانية ، وكان هذا مخالفا تماما لسياسة الدولة العثمانية.
كان للإمبراطورية العثمانية مركز معمر يعتمد على شبكة مؤسسات معقدة ومدروسة ، وبقدر ما كان هذا المركز رقيقا وحساسا كالحرير كان أيضا قويّا كالحديد ، وكانت كربلاء منطقة تابعة لهذا المركز.
لم تكن الدولة العثمانية ضد الاختلافات الدينية في كربلاء ، ولكنها عملت على جعلها تحت مراقبتها دائما حتى لا تكون سلاحا قويّا في يد