وهو عند الأشاعرة على ما يقتضيه أصلهم من استناد الأشياء كلّها إلى الفاعل المختار ابتداء أن لا يخلق الله فيهم ذنبا (١).
فعلى هذا يكون الأنبياء معصومين من الكفر والكبائر والصغائر الدالّة على الخسّة والرذالة ، وأمّا غيرها من الصغائر فإنّهم يقولون : لا يجب عصمتهم عنها ؛ لأنّها معفوّ عنها ـ بنصّ الكتاب ـ من تارك الكبيرة أنّ : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) (٢).
دلّت الآية على أنّ مجتنب الكبيرة والفاحشة معفوّ عنه ما صدر من الصغائر عنه ، وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لمّا خلق من الأرض ونشأ منها فلا يخلو عن الكدورات الترابية التي تقتضي الذنب والغفلة ، فكانت بعض الذنوب تصدر عنهم بحسب مقتضى الطبع ، ولمّا لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة به.
وأمّا العصمة عند الحكماء ، فهي ملكة تمنع عن الفجور ، وتحصل هذه ابتداء بالعلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات ، وتتأكّد في الأنبياء بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى ما ينبغي ، والنواهي الزاجرة عمّا لا ينبغي ، ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من يجوّز تعمّدها ، ومن ترك الأولى والأفضل فإنّها لا تمنع العصمة التي هي الملكة ، فإنّ الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا ثمّ
__________________
(١) راجع : حاشية الدواني على العقائد العضدية : ٢٠٣ ، حاشية السيالكوتي : ٢٠٣ ، شرح مطالع الأنظار : ٢١١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٨٠ و ٢٨١.
(٢) سورة النجم ٥٣ : ٣٢.