تصير ملكات بالتدريج (١).
ثمّ إنّ الأنبياء مكلّفون بترك الذنوب ، مثابون به ، ولو كان الذنب ممتنعا عنهم لما كان الأمر كذلك ، إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه.
وأيضا : فقوله : ( إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ ) (٢) ، يدلّ على مماثلتهم لسائر الناس في ما يرجع إلى البشرية ، والامتياز بالوحي لا غير ، فلا يمتنع صدور الذنب عنهم كما في سائر البشر (٣).
هذا حقيقة مذهب الأشاعرة ، ومن تأمّل فيه علم أنّه الحقّ الصريح المطابق للعقل والنقل ، وكلّ ما ذكره هذا الرجل على سبيل التشنيع فلا يأتي عليهم ، كما علمته مجملا ، وستعلمه مفصّلا عند أقواله.
وما ذكره من قصّة سورة النجم وقراءة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما لم يكن من القرآن ، فهذا أمر لم يذكر في الصحاح ، بل هو مذكور في بعض التفاسير ..
وذكروا : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا اشتدّ عليه إعراض قومه عن دينه ، تمنّى أن يأتيه من الله ما يقرّبه إليهم ويستميل قلوبهم ، فأنزل الله عليه سورة النجم ، ولمّا اشتغل بقراءتها قرأ بعد قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) (٤) « تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى » ، فلمّا سمعه قريش فرحوا به وقالوا : قد ذكر آلهتنا بأحسن الذكر ؛ فأتاه جبرئيل بعد ما أمسى وقال له : تلوت ما لم أتله عليك! فحزن النبيّ
__________________
(١) راجع : حاشية الدواني على العقائد العضدية : ٢٠٣ ، حاشية السيالكوتي : ٢٠٣ ، شرح مطالع الأنظار : ٢١١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٨٠ و ٢٨١.
(٢) سورة الكهف ١٨ : ١١٠.
(٣) شرح المواقف ٨ / ٢٨١.
(٤) سورة النجم ٥٣ : ١٩ و ٢٠.