لذلك حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا عظيما ، فنزل لتسليته : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ... ) الآية (١) (٢).
هذا ما ذكره بعض المفسّرين ، واستدلّ به من جوّز الكبائر على الأنبياء.
والأشاعرة أجابوا عن هذا بأنّه ـ على تقدير حمل التمنّي على القراءة ـ هو من إلقاء الشيطان ، يعني أنّ الشيطان قرأ هذه الآية المنقولة ، وخلط صوته بصوت النبيّ حتّى ظنّ أنّه قرأها.
قالت الأشاعرة : وإن لم يكن من إلقاء الشيطان ، بل كان النبيّ قارئا لها ، كان ذلك كفرا صادرا عنه ، وليس بجائز إجماعا.
وأيضا : ربّما كان ما ذكر من العبارة قرآنا ، ويكون الإشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة ، فنسخ تلاوته للإيهام (٣).
ومن قرأ سورة النجم وتأمّل في تتابع آياتها علم أنّ هذه الكلمات لا يلتئم وقوعها بعد ذكر الأصنام ولا في أثنائها ، ولا يمكن ( للبليغ أن ) (٤) يتفوّه به في مدح الأصنام عند ذكر مذمّتها.
نعم ، يلتئم ذكرها عند ذكر الملائكة ، وهو قوله تعالى : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى ) (٥).
__________________
(١) سورة الحجّ ٢٢ : ٥٢.
(٢) انظر : هامش رقم ٢ الصفحة ١٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٣ / ٥٠ ـ ٥٥ ، شرح المواقف ٨ / ٢٧٧.
(٤) كان في الأصل : « أنّ البليغ » ، وما أثبتناه من إحقاق الحقّ.
(٥) سورة النجم ٥٣ : ٢٦.