خطاب واحد ، وهي قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (١) الآية ..
فإنّها ظاهرة في أنّ من يأتي بهم الله تعالى ، من أهل الولاية على الناس والقيام بأمورهم ؛ لأنّ معناها : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ) مخصوصين معه بالمحبّة بينه وبينهم ، ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : متواضعين لهم تواضع ولاة عليهم ، للتعبير ب « على » التي تفيد العلوّ والارتفاع ، ( أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) أي : ظاهري العزّة عليهم والعظمة عندهم ، ومن شأنهم الجهاد فيسبيل الله ولا يخافون لومة لائم.
ومن المعلوم أنّ هذه الأوصاف إنّما تناسب ذا الولاية والحكم والإمامة ، فيكون تعقّبها بقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ... ) الآية ، دليلا على أنّ المراد بوليّ المؤمنين إمامهم القائم بأمورهم ؛ للارتباط بين الآيتين.
وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ إرادة الأولى بالتصرّف لا تناسب ما قبل الآية ، وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ) (٢) الآية ؛ لأنّ المراد بالأولياء : الأنصار لا الأحقّين بالتصرّف ..
فخطأ ؛ لأنّ هذه الآية مفصولة عن آية المقام بآيات عديدة أجنبية
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤ ـ ٥٥.
(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.