عن آية المقام ، ولذا صدّر آية المقام مع الآية التي قبلها المتّصلة بها بخطاب مستقلّ ، فلا تصلح تلك الآية المفصولة بآيات عديدة للقرينية.
ولنتل عليك الآيات لتتّضح الحال :
قال تعالى بعد الآية التي ذكرها الفضل : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... ) (١) الآية.
ثمّ قال بعدها : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ... ) (٢) الآية.
فأنت ترى أنّه انتقل في قوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ ... ) إلى تمام الآيتين ، إلى مطلب آخر مستقلّ بخطاب ، فكيف تكون إرادة الأنصار من الأولياء في الآية الأولى البعيدة ، موجبة لعدم إرادة الأولى بالتصرّف من الوليّ في الآية الأخيرة؟!
ولو سلّم أنّ الآيات كلّها مرتبطة بعضها ببعض فلا ينافي المطلوب ؛ لأنّ المراد أيضا بالأولياء في الآية الأولى هو : القائمون بالأمور في الجملة ، ولو بالنسبة إلى النصرة والمحافظة ؛ لما بيّنّاه في معنى ( الوليّ ) ، وأنّه مشترك معنى.
فيتمّ المطلوب من كلّ وجه ، ولا سيّما بضميمة قوله تعالى : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) الآية ؛ لاشتمالها كما عرفت على الأوصاف
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٢ ـ ٥٤.
(٢) سورة المائدة ٥ : ٥٥.