الحديث من كبار المحدثين (١) ، ودرسوا على أئمة اللغو والنحو (٢) ، كان يدفعهم إلى ذلك حرصهم على تلاوة القرآن الكريم وسلامة لغته وضبط الأحاديث وليس الرغبة في التخصص في النحو واللغة ، وذلك لأن أهل واسط في هذه الفترة كانوا قد انصرفوا إلى الدراسات الدينية التي وجدوا فيها وسيلة لمعارضة السلطة المركزية ببغداد ـ كما سبق أن ذكرنا ـ.
أما في الفترة ـ موضوع البحث ـ فقد سكن بواسط الأتراك والديلم (٣) واتحدت واسط بمدينة كسكر التي كانت تقع في الجانب الشرقي من دجلة مقابل واسط وهي مدينة ساسانية قديمة كان سكانها من الفرس والنبط (٤) ، فلا بد أن ظهر اللحن وتحريف الكلمات كما حدث في البصرة والكوفة سابقا ، فأصبحت هناك ضرورة لتدريس العربية ووضع قواعد اللغة والنحو ليسهل عليهم الرجوع إليها وقت الحاجة ، فظهر نحاة أخذوا من آراء المدرسة البصرية ـ كما سنرى من خلال البحث ـ ويرجع سبب ذلك إلى أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا ببغداد على أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (ت ٣٦٨ ه / ٩٧٨ م) وأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي (ت ٣٧٧ ه / ٩٨٧ م) وعلي بن عيسى الرماني (ت ٣٨٤ ه / ٩٩٤ م) وهؤلاء الثلاثة تتلمذوا على تلامذة أبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (٥) الذي «كان أعلم الناس بمذاهب البصريين في النحو ومقاييسه» (٦) وكانوا يدعون إلى الآراء البصرية وينتصرون لها «وهو الطراز الذي عم وساد منذ
__________________
(١) انظر : الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٤ / ١٣٨ ، ٢٣٦ ، ٦ / ١٢٠ ، ٣١٩ ، ١٤ / ٨٥ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥.
(٢) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨.
(٣) انظر الفصل الرابع.
(٤) انظر الفصل الثاني.
(٥) شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ١٤٦ ، ٢٥٦. المخزومي ، الدرس النحوي في بغداد ، ٨٠.
(٦) الأزهري ، تهذيب اللغة ، ١ / ٢٧.