الأول : إن بعض المؤرخين ببغداد كانوا قد تقلدوا مناصب هامة في الدولة فكانوا على صلة وثيقة بالخلفاء من جهة ، أما من الجهة الأخرى فإن هؤلاء المؤرخين كانوا قريبين من الوثائق التاريخية التي تكون موجودة عادة في عاصمة الخلافة (١). بينما لم نجد من المؤرخين بواسط من تقلد منصبا هاما في الدولة ، فاقتصرت مؤلفاتهم على التواريخ المحلية والتراجم. أما العامل الثاني ، فهو أن المؤرخين بواسط كانوا من المحدّثين والفقهاء وهؤلاء كانوا يعتبرون التاريخ هو تراجم للفقهاء والمحدّثين والقراء والزهاد والعلماء (٢) وأنه من العلوم المساعدة لعلمي الحديث والفقه (٣).
إن أول مؤرخ أشارت إليه المصادر بواسط هو أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم الرزاز الواسطي المعروف ببحشل (ت ٢٩٢ ه / ٩٠٤ م) مؤلف كتاب «تاريخ واسط» (٤) وهذا الكتاب هو أقدم تاريخ وضع لهذه المدينة ، وأقدم ما وصلنا من تواريخ المدن (٥). ويعتبر من أهم مصادر دراسة مدينة واسط منذ تأسيسها حتى أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الهجري.
يبدأ المؤلف بذكر أسباب بناء واسط (٦) ، ...
__________________
(١) انظر : جب ، دراسات في حضارة الإسلام ، ١٥٨ ، ١٥٩.
(٢) ن. م ، ١٦٠.
(٣) بشار عواد معروف ، مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ عند المسلمين ، مجلة الأقلام البغدادية ، عدد ٥ ، السنة ١٩٦٥ ، ص ٣٤.
(٤) السمعاني ، الأنساب ، ٥٧٦ ب. سؤالات السلفي ، ٩٠. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٥٦. الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ٢ / ٦٦٤. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١ / ٤٧ ، ٩ / ٥٢. العسقلاني ، لسان الميزان ، ١ / ٣٨٨. السخاوي الإعلان بالتوبيخ ، ٦٥٤. حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ١ / ٣٠٩. إيضاح المكنون ، ١ / ٢١٨. وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق كوركيس عواد ببغداد سنة ١٩٦٧. أما في ترجمة المؤلف فانظر : السمعاني ، الأنساب ، ٥٧٦ ب. سؤالات السلفي ، ٩٠. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٥٦. ميزان الاعتدال ، ١ / ٢١١. تذكرة الحفاظ ، ٢ / ٦٦٤.
(٥) روزنثال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ٢٢٨.
(٦) تاريخ واسط ، ٣٥ ، ٤٣.