ينحدر جنوبا ليحتلّ مصر ويسودها بقوّة السلاح زمنا. وكان المصريّون أوّل من أطلق على هذا الشعب إسم الهكسوس ، ومعنى الإسم في لغتهم : أسياد البلدان الأجنبيّة ، وأوّل مؤرخ استعمل هذا اللفظ كان مصريّا كتب باللغة اليونانيّة ، وفسّر الإسم على أنّه : الملوك الرعاة.
كان الهكسوس في جميع البلاد التي أخضعوها يمارسون الإقطاع العسكريّ غير المنظّم ، وكانت الطبقة الأرستقراطيّة فيه بمعظمها من الفرسان الأقوياء الذين يملكون المركبات والجياد ، علما بأنّ الهكسوس هم الذين أدخلوا الحصان إلى هذه المنطقة ليستعمل فقط في الشؤون الحربيّة ، وهذا ما مكّنهم من فتوحاتهم السريعة لمدن ومملكات لم تكن شعوبها تعرف الحصان ، فضلا عن حيازتهم للسيوف الحديديّة المقوّسة وللقوس المزدوج واستخدامهم البرونز في سائر أسلحتهم.
أدّى دخول الهكسوس إلى جبيل إلى كثافة سكانيّة ظاهرة في آثار الطبقة التاسعة (١٧٥٠ ـ ١٥٨٠ ق. م.) فامتدّت المدينة إلى خارج الأسوار وأصبح النشاط في المركز القديم مقتصرا على الحرس والكهّان وخدّام الهيكل ، وأنشئت التحصينات الإضافيّة ، وظهرت العربة التي يجرّها الخيل وما أدخله الهكسوس معهم من سيوف معقوفة وأقواس مزدوجة ورماح وحراب. ولا تظهر لنا حفريّات هذه الحقبة أيّ شيء له علاقة بالتجارة الخارجيّة ، إذ يبدو أنّ الهكسوس الذين احتلّوا جبيل وسائر مدن الشاطئ قد قطعوا علاقات تلك المدن التجاريّة والوديّة بمصر ، فكانت مصر لهم بمثابة العدوّ الذي تمكّنوا من قهره واحتلاله في حوالى العام ١٦٠٠ ق. م. ، وقد استمرّت سيادتهم على مصر زهاء ثلاثين سنة قبل أن يشنّ أحد أمراء الجنوب المصريّ من مدينة طيبة : أحموس الأول (١٥٧٠ ـ ١٥٤٥ ق. م.) حربه التحريريّة الظافرة عليهم ،