تعرّض الفرعون لكمين حثّيّ كاد أن يودي بحياته ، ويذكر بعض المؤرّخين أنّ الجبيليّين قد هبّوا إلى نجدة الفرعون إثر تعرّضه للكمين ، وساعدوا على فكّ الطوق عنه وعن جيشه ، وأنّ الفرعون قد حفظ هذا الجميل لهم فأقام في جبيل زمنا أغرق خلاله ملوكها بالهدايا الثمينة التي وجدت في قبورهم.
لم يتمكّن المصريّون من اجتياز نهر العاصي نحو الحثيّين ، ولم تتجاوز سيطرتهم الفعليّة منطقة الشاطئ رغم الحملات المتعاقبة التي استمرّت قرابة عشرين سنة كانت نهايتها سنة ١٢٨٠ ق. م. عندما عقد المصريّون مع الحثيّين معاهدة صداقة وحسن جوار ، وتعدّ هذه المعاهدة التي حفظتها رسائل تلّ العمارنة بنسختيها المسماريّة والهيروغليفيّة ، والتي بقيت سالمة حتّى اليوم ، أقدم المعاهدات الدوليّة المكتوبة في العالم قاطبة ، وهي تنصّ على إحلال السلام إلى الأبد بين القوّتين ، وعلى الإعتراف بشمال سورية وبلاد العموريّين بلادا حثيّة ، وبجنوب سورية ومدن الشاطئ اللبنانيّ بلادا مصريّة ، وهكذا عادت جبيل إلى الإستقرار في علاقاتها مع مصر من جديد.
لن تكون السيطرة المصريّة على جبيل هذه المرّة بذات شأن ، فإنّ ظلّ السيادة المصريّة قد أخذ بالتقلّص من جهة ، ولم تكن الصلات معها من جهة جبيل وديّة شفّافة مثلما كانت قبل بدء الحروب المتعدّدة الجنسيّات ذات المصالح والمطامح ، فقد ظهرت في جبيل روح استقلاليّة نستشفّها لأوّل مرّة من خلال نقش كتابيّ من رسائل تلّ العمارنة ، هو تقرير بعث به رسول الفرعون الذي كانت مهمّته الحصول على خشب الأرز من جبيل ، وقد ضمّن المبعوث تقريره الشكوى من أنّه قضى تسعة عشر يوما في ميناء أمير جبيل ـ زكر بعل ـ الذي كان يرفض مقابلته صراحة ويردّ على طلبات المقابلة الملحّة عبر حرّاس الميناء بقوله : " فلينصرف عنّي". ويبدي الرسول خوفه من أن