بقيت جبيل رازحة تحت وطأة الإحتلال أكثر من ثلاثين سنة ، وليس لدينا أي أثر حسّي عن الأحوال الدقيقة للمدينة وأبنائها بخلال هذه الحقبة التي تلت سقوطها بيد العموريّين ، وإن كان بوسعنا أن نستشفّ السيطرة الحثيّة عليها ومرورها بظروف ركود وجمود ، ولا بدّ من أن يكون بعض الأموريّين قد اندمجوا مع جبيليّي تلك الحقبة الذين عفا عنهم الدمار ، ولكنّنا لا نستطيع أن نعطي أيّ رقم عن عدد سكّان المدينة في ذلك الزمن ، إذ ليس من مرجع أو مقارنة من شأنهما أن يفيدانا بشيء حول هذا الموضوع.
في حوالى ١٣١٧ ق. م. ، اعتلى العرش المصريّ شجاع ينتمي إلى الأسرة التاسعة ، إنّه ستي الأول الذي أعاد إلى قومه روحه الوطنيّة وزهو طموحاته ، وبعد أن أعاد تأليف الجيش وتعزيزه ، شنّ الحرب على الحثيّين في مناطق احتلالهم في فلسطين ولبنان ، فتمكّن من الإستيلاء على الشاطئ حتى تعدّى مدينة أرواد إلى سميرا ، فعادت بذلك جبيل إلى الفلك المصريّ ، وأصبحت أحيانا قاعدة لبناء المراكب للأسطول الفرعونيّ لقربها من موارد خشب الأرز. وانتهت الحملة المصريّة إلى صلح عقد مع الحثيّين دون أن يعيّن حقّ أيّ من القوّتين في السيطرة على مدن الشاطئ ، فأصبحت بذلك جبيل ، كما سائر المدن الفينيقيّة ، في وضع عدم استقرار سياسيّ واقتصاديّ ، خاصّة وأنّ ذلك الصلح بدا وكأنّه هدنة موقّتة ، كان كلّ من الفريقين يستغلّها لتعزيز قواه. وما أن خلف رعمسيس الثاني أباه ستي الأوّل في حوالى ١٣٠١ ق. م. حتّى زحف بجيشه شمالا عبر الشاطئ اللبنانيّ ، ومنه اتّجه شرقا إلى منابع العاصي. ونحن نعتقد أنّ رعمسيس قد سلك طريق أفقا ـ العاقورة ـ اليمّونة خلافا لما يرى البعض من أنّه سلك طريق وادي الليطاني. على أيّ حال فقد تلاحم الجيشان على ضفاف العاصي في حوالى ١٢٩٦ ق. م. حيث