التوراة منذ أقدم العهود بإشارتها إلى ـ شيوخ جبيل ـ. ولسنا نعرف مجلس شيوخ في التاريخ أقدم من المجلس الجبيليّ ، وكان هنالك ما يشبه مجموعة السلطة الحاكمة التي كان قوامها أصحاب المال وجماعات التجّار وقباطنة الملاحة ، بل نلاحظ أيضا أنّ نوعا من الديموقراطيّة كان يفرض بظلّه على السلطة ، ففي نقش على ناووس الملك الجبيليّ" يهاف ملك إبن يهاف بعل" الذي كشفت عنه الحفريّات ، دعاء ينتهي بأن يحوز الملك بعد الموت" على رضى إلهه ورضى شعبه" ، وذلك دعاء لا يصدر عن ملك ليس لدى شعبه أيّة سلطة.
وهنالك إشارات أخرى إلى مكانة الشعبّ في المجتمع الجبيليّ ، منها أنّ بيوت العامّة ومدافنهم لم تكن ذات فارق يذكر عن بيوت أكابر المجتمع. وبالإمكان اعتبار أنّ نظام الحكم القرطجنّي الذي اقتبسه الرومان ، ومن ثمّ نشروه في العالم المتمدّن ، إنّما هو امتداد لنهج الحكم الصوريّ المنقول حكما عن أمّ المدن الفينيقيّة : جبيل.
كانت جبيل ، كما سائر المدن الفينيقيّة ، قد أخذت تنعم باستقلال تامّ بعد المعاهدة المصريّة ـ الحثيّة في أواخر الألف الثالث عشر قبل الميلاد ، عندما كانت شعوب مختلفة تتدفّق على منطقة الهلال الخصيب من كافّة الجهات البريّة والبحريّة. فقد اجتاحت القبائل الآراميّة سورية والعراق وشمالي الجزيرة العربيّة ، ونتعرّف أوّل ما نتعرّف على هذه القبائل البدويّة الرحّل ، التي قصدت المنطقة طلبا للماء والمرعى ، في الجزيرة العربيّة في حوالى الألف الخامس عشر ق. م. ، وقد نزلت مجموعات متعدّدة من هذه القبائل شواطئ الفرات الأوسط ، ومن هناك اتّجهت غربا نحو فلسطين ولبنان وسورية ، حيث سيطرت على تلك المناطق سيطرة تامّة بعد أن طردت منها