إلى إرسال جزية إليه اتّقاء لشرّه ، وحصل على كميّة من خشب الأرز ليبني هيكلا لآلهته. غير أنّ دخول الأشوريّين في هذه المرحلة لم يكن سوى غزوة خاطفة إذ لم يدم وجودهم طويلا. ودامت المنطقة في منأى عن خطرهم زهاء قرنين من الزمن حتى ظهور ناصر بال الثاني (٨٨٣ ـ ٨٥٩ ق. م.) الذي اجتاح سورية سنة ٨٧٩ ق. م. ودخل لبنان من الشمال عابرا الشاطئ دون أن يلاقي مقاومة تذكر ، وقد دفعت جبيل هذه المرّة أيضا للفاتح الأشوريّ جزية ، كما فعل سائر المدن الفينيقيّة ، دون أن تخضع للسيطرة الأشورية التامّة. وفي هيكل عاصمته ترك ناصر بال نقشا ذكر فيه ، من بين ما ذكر ، أنّ جبيل وسائر المدن الفينيقيّة قد دفعت له الجزية" ذهبا وفضّة وقصديرا ونحاسا وآنية نحاس وثيابا كتّانيّة مزركشة زاهية الألوان وقرودا كبيرة وصغيرة وآبنوس وخشب الصندل وعاجا وأنياب بقر البحر".
وفي سنة ٨٥٥ ق. م. تحالف اثنا عشر ملكا من ملوك الكنعانيّين والآراميّين والفينيقيّين والعبرانيّين لاقتلاع الوجود الأشوريّ من المنطقة ، غير أنّ معركة قرقر التي جرت بين الثائرين وشلمناصر في وادي العاصي لم تكن حاسمة ، وقد انتقم الأشوريّون من المدن الفينيقيّة شرّ انتقام ، وكانت جبيل أقلّ تضرّرا من سواها لأنّها لم تكن قد اشتركت في الثورة ضد أشور ، ولكنّها استمرّت تدفع الجزية ، إذ نجد أنّ ملكها" شتي ـ بعل" قد دفع الجزية للملك الأشوريّ" تغلث" ، وكذلك فعل أحيرام الثاني الذي كان ملكا على جبيل وعلى صيدا وعلى المستعمرات الفينيقيّة في قبرص. ويعتبر بعض الباحثين أنّ جبيل تمتّعت في هذه الحقبة بمكانة خاصّة لدى أشور بسبب سياستها الحكيمة التي انتهجتها ، وأنّ أفضل برهان على ذلك بروز سلطة ملكها أحيرام الثاني على صيدا وبعض المستعمرات. بينما اعترفت صيدا بالحكم الأشوريّ ، وفي زمن