الجبيليّ ، واقتباسهم لفنون تجاريّة دوليّة أتقنها الجبيليّ منذ القدم ، وتعرّفهم إلى سلع وبضائع وحجارة كريمة جديدة لم يكونوا قد عرفوها من قبل. غير أنّ اللغة الإغريقيّة سوف تصبح اللغة الرسميّة ، وإن كان الناس سيحافظون على لغة البلاد حتّى مجيء العرب.
بعد موت الإسكندر بداية صيف ٣٢٣ ق. م. واقتسام إمبراطوريته بين قوّاده الذين سرعان ما اختلفوا وتحاربوا ، أصبحت جبيل كما سائر مدن المنطقة عرضة للتجاذب بين القوى المتحاربة ، وكانت صيدا قد احتلّت مركزا أوّل بين مدن الساحل في عهد أحد خلفاء الإسكندر : بطليموس (٢٨٦ ـ ١٩٨ ق. م.). إلّا أنّه قبل أفول العهد السلوقيّ كانت جبيل قد نالت استقلالها في حوالى ١٢٤ ق. م. وسكّت نقودا بإسمها.
حافظت جبيل على مركزها الدينيّ الطليعيّ في العهد السلوقيّ ، حتى أنّ طقوس عبادتها قد طغت على طقوس عبادة الإغريق عند هؤلاء ، وأصبح معبد أفقا محجّ اليونان المتعبّدين.
في هذه الأثناء كانت جبيل ومدن الشمال اللبنانيّ تعاني غزوات الأيطوريّين ، وهم قبائل عربيّة ناطقة باللغة الآراميّة ، أسّست لها مملكة مستقلّة لا تعترف بسلطة السلوقيّين في البقاع عاصمتها عنجر. وراح الأيطوريّون يتسلّلون إلى الشاطئ اللبنانيّ حتّى أسّسوا لهم مدينة بجوار رأس الشقعة ، وخرّبوا بساتين بيروت وجبيل ، وقد عرف هؤلاء باللصوص المحترفين.
كلّ هذا كان يجري وسط فوضى مهلكة دبّت بالدولة السلوقيّة بسبب حروبها الداخليّة من جهة ، وحروبها مع جميع شعوب المنطقة الثائرة لنيل استقلالها.