فاضطرم قلبها حبّا لربّها وأخذت تدعو مواطنيها إلى إيمانها ، ممّا أغضب الحاكم وأدّى إلى استشادها. ولكن يبدو أنّ جبيل ، رغم ذلك ، بقيت متمسّكة بعبادتها المتأصّلة فيها ، إذ لا نجد أيّ ذكر لأيّ نشاط مسيحيّ فيها في خلال هذه الحقبة التي كان حوّل فيها قسطنطين معبد جوبيتير في بعلبك إلى كنيسة كانت آية في الضخامة ، وأصبح لتلك الكنيسة مطران وشمامسة ، وعند بداية القرن الخامس كان أصبح لأساقفة بعلبك دور مهمّ في شأن الكنيسة.
في هذه الأثناء ، كان قد أعيد بناء هيكل أفقا الوثنيّ في عهد خليفة قسطنطين ، الأمبراطور يوليانوس الجاحد (٣٦١ ـ ٣٦٤) الذي لم يكن قد اعتنق الدين المسيحيّ ، ولمّا جلس أركادويس (٣٩٥ ـ ٤٠٨) على العرش أمر عام ٣٩٩ بتقويض الهياكل الوثنيّة فأعيد هيكل الزهرة في أفقا إلى معبد مسيحيّ ، وازداد عدد المسيحيّين في الجبل اللبنانيّ بمساعي ذلك القيصر. ومنذ ذلك التاريخ بدأ التحوّل الواسع في جبيل من الوثنيّة إلى المسيحيّة. وعندما تعرّضت المدينة للدّمار في زلازل القرن السادس ، كان أكثر أهاليها قد أصبح مسيحيّا ، وقد ساد اعتبار يومها يقول بأنّ سبب كارثة المدينة كان غضبا من الله بسبب استمرار بعض سكّان جبيل على عبادتهم القديمة. وقد عدّ المؤرّخون الكنسيّون جبيل خامس الأسقفيّات في مطرانيّة صور. وذهب غير واحد منهم إلى أنّ يوحنّا مرقس (أعمال ١٢ : و ١٥) أحد المبشّرين السبعين هو أوّل من أسّس كنيسة في جبيل وتولّى أسقفيّتها. تشهد على ذلك السنكسارات السريانيّة والمارونيّة فضلا عن الكلندار الرومانيّ. وقد عرف من أساقفة جبيل الأقدمين" أوثل" في القرن الثالث ، و" باسيليد" أو روفين" في المجمع القسطنطينيّ الأوّل. ثمّ أصبحت جبيل بعد القرن السادس خاضعة توّا للكرسيّ الإنطاكيّ.