بحيث لَو كانَ قادِراً لفعلَ لا مَحالة ، وَجب فِي عدلِ الله تعالى وحِكمتِهِ وجودِهِ المُطلقِ أن يُعطيَهُ ما أعدَّ بِإزاءِ هذا العمَلِ مِن الأجرِ والثَواب ، إذِ المفرُوض أنّ هذا الفوتَ لَيس مِن قبَلِهِ ، ومُستندٌ إلى تَقصِيرِهِ ، بلِ اللهُ هو الَّذي فوَّتهُ عَليهِ بِتركِ تَسبِيبِ الأسبَاب ، لِأَنَّهُ مُسبِّبُ الأَسبَاب ، ومُسهِّل الصِّعَاب ، فيجِبُ عليهِ تَدَارُك ما فوّتَه ، وإِلّا لَزِم البُخل ، تعالى اللهُ عن ذَلكَ عُلوَّاً كَبيراً.
فإِن قُلتَ : مَا نفقَهُ كَثيراً مِمَّا تقول ، أليس القَادِرُ الفَاعِلُ رُبَّما يُصيبه ظَمَأٌ وَنَصَبٌ وَمَخْمَصَةٌ وَتَعَبٌ (١) ، والعاجِزُ التَّارِك فارغٌ عَن جميعِ ذَلك ، فالإشكَالُ بِحالِهِ ، والجوابُ المَذكورُ لا يُسمِنُ ولَا يُغنِي مِن جُوعٍ.
قلتُ : نَعم ؛ ولكِنَّ العَاجِز التَّارِك رُبَّما يُصيبُه لِأجْلِ حُرمَانِه عن فَضيلَةِ الطَّاعةِ مع شِدَّة شوقِهِ ومحبَّتِهِ وعزمِهِ وإرَادتِهِ ، كما هو المفرُوضُ في محلِّ الكلَامِ هَمٌّ وَغمٌّ شَديد ، وحُزنٌ طَويلٌ وحسْرَةٌ وانكِسارٌ وانقِباضٌ ، بَل رُبَّما كان التَّعبُ الرَّوحَانيّ أشدُّ مَن التَّعبِ البَدنِيّ ، ورُبَّما يُؤدِّي ذَلكَ إلى البُكاءِ والأَنِين والعَويل ، والقَادِرُ الفَاعلُ رُبَّما يَلحَقُهُ بِسَبَبِ فَوزِهِ بِفَضيلَةِ فَرحٌ وسَرورٌ ونَشاطٌ وابتِهاجٌ وانبِسَاطٌ ، لِأنَّ ذلكَ مِن عَلامةِ الإيمَان كَما في الخَبرِ المَرويّ عَن أمِيرِ المُؤمنينَ عليه السلام : «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» (٢) وَبعد تَعارض
__________________
(١) الظمأ : العطش ، النَصَب : التعب ، المخمصة : الجوع وهي مقتبسة من الآية ١٢٠ من سورة التوبة.
(٢) رواه الكليني قدس سره في الكافي (٢ / ٢٣٢) عن الصادق عليه السلام ، ورواه الصدوق في الأمالي ص ٢٦٧ والتوحيد ص ٤٠٧ والخصال ص ٤٧ عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونسبه ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي ص ٢٧٢ إلى أمير المؤمنين عليه السلام.