الجِهات ، وتَزَاحم الحَيثِيات مِن الطَّرَفينِ فلعَلَّ الأمرُ يَنتهي إلى التَّسَاوي.
وَقد أَخبَرَ بِهِ المُخبِر الصَّادِق عليه السالم فيجِبُ تَصدِيقهُ ، ويَشهدُ لِما ذَكَرنَاهُ مَا وَرَدَ مِن السَّمعِ ، فَفي (رِوايةِ أَبي بَصيرٍ (١)) (٢) عَن أبِي عَبدِ الله عليه السلام أنَّه قَال : «إِنَّ الْعَبْدَ المُؤمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ : يَا رَبِّ ؛ ارْزُقنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الخَيْرِ ، فَإِذَا عَلِمَ اللهُ عّزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّةٍ ، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ ، إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ» الحديث.
قَولهُ عليه السلام «فَإِذَا عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقٍ نِيَّةٍ» إِشَارةً إِلى ما ذَكرْنَا مِن المُلَازَمةِ بِأَن يَكُونَ العَاجز التَّارِك ، بِحيثُ لَو كَان قَادِراً لَفعلَ فَلا مَانِع مِن الفِعل إلّا عَجزه.
قولهُ عليه السلام «إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ» تَعلِيلٌ الحُكمِ بِسعتِهِ وكرمِهِ ، إِشارَةٌ إلى مَا ذَكرنَا مِن لزُومِ البُخلِ عَلى تَقديرِ المَنعِ والحرمَان ، إِذ ذَلك يُنافِي سِعته وكَرمه وجُوده المُطلَق.
__________________
(١) يحيى بن القاسم ، أبو بصير الأسدي ، وقيل أبو محمد : كوفي ، تابعي ، ثقة ، وجيه ، عُدّ في أصحاب الصادق والباقر عليهما السلام ، ولد مكفوفاً ، رأى الدُّنيا مرَّتين ، «مَسحَ أبو عَبدِ الله عليه لاسلام على عينيه ، وقَالَ انْظُرْ مَا تَرَى؟ قال : أَرَى كُوَّةً فِي البَيتِ ، وقَد أَرَانِيهَا أَبُوكَ مِن قَلبِكَ» ، توفي سنة ١٥٠ ه ـ (معجم رجال الحديث ٢١ / ٧٩).
(٢) رواها الكليني في الكافي (٢ / ٨٥) والبرقي في المحاسن (١ / ٢٦١) وابن همام الإسكافي في التمحيص ص ٤٧ ، وعنهم الوسائل (١ / ٤٩) والبحار (٦٧ / ١٩٩) و (٦٨ / ٢٦١) و (٦٩ / ٥١).