[شرح «فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتَ بِمَا يَدْعُو بِهِ ...»]
قوله عليه السلام : * (فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتَ بِمَا يَدْعُو بِهِ مَنْ زَارَهُ مِنَ المَلَائِكَةِ) * هذه العِبارة كَما ترى صريحةٌ في أنَّ هذه الزِّيارة بعينِها هي زيارةُ المَلائِكة ، وبِها يُزورونَ الحُسين عليه السلام.
وعلى هذا فيشكل الأمر في قوله عليه السلام «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي» ، إذ هذه العبارة إنَّما تصحُّ مِن البشرِ دونَ الملَك ، إذ ليس له أبٌ وأَمٌ ، اللهُمَّ إِلَّا أن يوجّه ويُقال أنَّ هذا التَّركيب مِن المنقُولاتِ العُرفية ، فهو شبيهٌ بالمَجاز المُركَّب ، كقولهِم : «أَرَاكَ تُقدِّمُ رِجْلاً وَتُؤخِّرُ أُخْرَى» ، «وَفُلَانٌ جَبَانُ الكَلْبِ» (١) ، «مَهْزُولُ الفَصِيْل» ، «طَويلُ النَّجَاد» (٢) ، وإن لم يكن ثمَّة تقدّم رِجْلٌ وتأَخرها ، ولَا كلبٌ ولا فَصيلٌ ولا نجادٌ ، وإنَّما المَقصودُ مِنهَا المَعانِي الثَّواني من التحيَّر والتَّرددِ والجُودِ وطُولِ القَامة وَنحوِ ذلِك.
فكذلِك هذا التَّركيب ، إِذ ليس المُرادُ بقولِ القَائل «بأبِي أنتَ وأُمّي» التَّفدية بأبَويهِ ، بَل المُرادُ بنفسِهِ ، إمَّا حَقيقةً أو مُبالغة فِي التَّواضع
__________________
(١) جبان الكلب : كناية عن الكرم والسخاء (لسان العرب والقاموس المحيط وتاج العروس مادة «جبن») ، ومنها قول حاتم الطائي :
فَإِنِّي جَبانُ الكَلبِ بَيتي مُوَطِّأً
أَجُودُ إِذَا مَا النَّفْسُ شَحَّ ضَمِيرُهَا
(٢) طويل النجاد كناية عن طول القامة ، والنجاد هو السيف (لسان العرب وتاج العروس).