تأتني تمشي أمش معك». وذلك لأنّك أردت أن تقول : إن أتيتني سائلا يكن ذلك ، وإن تأتني ماشيا (١) فعلت. وقال زهير :
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه |
ولا يغنها يوما من الدهر يسأم (٢) |
إنما أراد : من لا يزل مستحملا يكن من أمره ذاك ولو رفع يغنها جاز ، وكان حسنا ، كأنّه قال : من لا يزل لا يغنى نفسه «يسأم».
وممّا جاء أيضا مرتفعا قول الحطيئة :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره |
تجد خير نار عندها خير موقد (٣) |
وأمّا جزم الفعل بين الفعلين فقد قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : «وهو «عبيد الله بن الحر» :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٤) |
قال : تلمم : بدل من الفعل الأوّل ، ونظيره في الأسماء : «مررت برجل عبد الله» فأراد أن يفسّر الإتيان بالإلمام كما فسّر الاسم الأوّل بالاسم الآخر.
ومن ذلك أيضا قوله ، أنشدنيها الأصمعي عن أبي عمرو لبعض بني أسد :
إن يبخلوا أو يجبنوا |
أو يغدروا لا يحفلوا |
|
يغدوا عليك مرجّلي |
ن كأنّهم لم يفعلوا (٥) |
فقولهم : يغدوا : بدل من لا يحفلوا ، وغدّوهم مرجّلين يفسّر أنّهم لم يحفلوا.
٧ ـ الجزاء إذا كان القسم في أوّله :
إذا تقدّم القسم عن الجملة الجزائيّة فلا بدّ من ملاحظة المقسم عليه ، وذلك قولك : «والله إن أتيتني لا أفعل» بضمّ اللّام في لا أفعل ، لأنّ الأصل ، والله لا أفعل إن أتيتني يقول سيبويه : ألا ترى أنّك لو قلت : «والله إن تأتني آتك» لم يجز ، ولو قلت : «والله من يأتني آته» كان محالا ، واليمين لا تكون لغوا ك «لا
__________________
(١) أي : إن جملة تسألني في المثال الأول : وتمشي في المثال الثاني للحال ، ولا أثر للجزاء فيها.
(٢) يستحمل الناس نفسه : أي يلقى إليهم بحوائجه وأموره ويحملهم إياها ، والشاهد فيه : رفع يستحمل لأنه ليس بشرط ولا جزاء ، وإنما اعترض بينهما : يستحمل ، وهو خبر لا يزل.
(٣) يمدح قيس بن شماس. تعشو إلى النار : تأتيها ظلاما في العشاء ترجو عندها خيرا ، خير نار : أي نارا معدّة للضيف الطارق.
(٤) الجزل : الحطب اليابس أو الغليظ منه الشاهد فيه : جزم تلمم لأنه بدل من تأتنا ، ولو أمكن رفعه على تقدير الحال لجاز.
(٥) لا يحفلوا : لا يبالوا. والترجيل : تمشيط الشعر وتليينه بالدهن ، وغدوهم مرجّلين دليل على أنّهم لم يحفلوا بقبيح.