ومن ذلك في الاستفهام «أجدّك لا تفعل كذا وكذا؟» كأنه قال : «أحقا لا تفعل كذا وكذا؟» ، وأصله من الجدّ ، كأنّه قال : أجدّا ، ولكنه لا يتصرّف ، ولا يفارقه الإضافة كما كان ذلك في «لبّيك» و «معاذ الله» (انظر أجدّكما).
٩ ـ مصادر من النّكرة يبتدأ بها كما يبتدأ بما فيه الألف واللام :
وذلك قولك : سلام عليك ، وخير بين يديك ، وويل لك ، وويح لك ، وويس لك ، وويلة لك ، وعولة لك ، وخير لك ، وشرّ له ، (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(١) فهذه المصادر كلّها مبتدأة مبنيّ عليها ما بعدها ، والمعنى فيهن أنّك ابتدأت شيئا قد ثبت عندك ، وفيها ذلك المعنى ـ أي معنى الدعاء ـ كما أنّ «رحمة الله عليه» فيه معنى «رحمهالله» ـ وهو الدّعاء ـ.
كما أنّهم لم يجعلوا «سقيا ورعيا» بمنزلة هذه المصادر المرفوعة ، ومثل الرّفع (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(٢).
وأمّا قوله تعالى جدّه : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٣) و (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(٤). فإنّه لا ينبغي أن تقول إنّه دعاء ههنا ، لأنّ الكلام بذلك قبيح فكأنه ـ والله أعلم ـ قيل لهم : ويل للمطففين ، وويل يومئذ للمكذبين ، أي هؤلاء ممّن وجب هذا القول لهم ، لأنّ هذا الكلام إنّما يقال لصاحب الشّر والهلكة ، فقيل : هؤلاء ممّن دخل في الشّرّ والهلكة ووجب لهم هذا. ومن هذا الباب «فداء لك أبي وأمي».
وبعض العرب يقول : «ويلا له» و «عولة لك» ويجريها مجرى خيبة ، والرّفع أكثر في كلامهم.
١٠ ـ المصادر المحلّاة بأل والتي يختار فيها الابتداء :
وذلك قولك : الحمد لله ، والعجب لك ، والويل لك ، والتّراب لك ، والخيبة لك.
وإنّما استحبّوا الرفع فيه لأنّه صار معرفة فقوي في الابتداء. وأحسنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة أن يبتدىء بالأعرف.
وليس كلّ مصدر يصلح للابتداء ، كما أنّه ليس كلّ مصدر يدخل فيه الألف واللّام من هذا الباب ، لو قلت : السّقي لك والرّعي لك ، لم يجز ـ أي إلّا سقيا ورعيا ـ ومن العرب من ينصب بالألف واللام من ذلك قولك : الحمد لله فينصبها عامّة بني تميم وناس من العرب كثير.
يقول سيبويه : وسمعنا العرب الموثوق
__________________
(١) الآية «١٨» من سورة هود «١١».
(٢) الآية «٢٩» من سورة الرعد «١٣».
(٣) تكررت عشر مرات في المرسلات.
(٤) الآية «١» من سورة المطففين «٨٣».