الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) فأن هنا مخفّفة من الثّقيلة.
والمتأخّرون يقولون في تعريف «أن» المفسّرة هي التي يسبقها معنى القول دون حروفه ، ويكون بعدها جملة.
أن المصدريّة :
هي أحد نواصب المضارع ، وهي والفعل بمنزلة المصدر ، وعلى هذا يجوز تقديمها وتأخيرها ، وتقع في كلّ موضع تقع فيه الأسماء ، إلّا أنّ المضارع بعدها لما لم يقع ـ أي للمستقبل ـ نحو قولك :
«أن تأتيني خير لك» وقوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٢) و «يسرني أن تجلس» وقوله تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).
وإن وقعت على فعل ماض كانت مصدرا لما مضى ، تقول : «سرّني أن قمت» وقال الله عزوجل : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ)(٣) قراءة بفتح أن ، ونحو «ساءني أن كلّمك زيد وأنت غضبان» أي لهذه العلّة. وتقول «عسى زيد أن يقرأ» أن مع الفعل بتأويل المصدر ، ولكن لا يجوز أن تظهر المصدر مع عسى ، فتقول «عسى زيد (٤) القيام» لأنّ المصدر يكون للماضي والحاضر والمستقبل و «عسى» إنما تعدّ لما يقع و «أن» النّاصبة لا تقع ثابتة ، وإنّما تقع مطلوبة أو متوقّعة نحو «أرجو أن تذهب» «وأتوقّع أن تأتي» أما الثّابتة التي لا تقع إلّا بعد ثابت فهي المخفّفة من الثقيلة ، وإذا وقعت بعدها الأفعال المستقبلة وكانت بينها وبينها «لا» فإن عملها على حاله ، تقول : «أحبّ ألّا تذهب» و «أكره ألّا تكلّم زيدا» والمعنى : أكره تركك كلام زيد ، ومنه قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ)(٥).
وقد يشترك بالعطف بالواو ، أو الفاء ، أو ثمّ أو فعل آخر في «أن» تقول : «أريد أن تقوم وتكرم زيدا» و «أريد أن تأتيني فتؤنسني» و «أريد أن تجلس ثمّ نتحدّث».
فإن كان الفعل الثاني خارجا عن معنى الأوّل كان مقطوعا مستأنفا أي لا يتبع النّصب بأن نحو : «أريد أن تأتيني ، فتقعد عني»؟ و «أريد أن تكرم بكرا ، فتهينه؟» كما قال رؤبة أو الحطيئة :
والشّعر لا يضبطه من يظلمه |
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه |
|
زلّت به إلى الحضيض قدمه |
يريد أن يعربه فيعجمه
__________________
(١) الآية «١٠» من سورة يونس «١٠».
(٢) الآية «١٨٤» من سورة البقرة «٢».
(٣) الآية «٥٠» من سورة الأحزاب «٣٣».
(٤) الآية «١٠» من سورة يونس «١٠».
(٥) الآية «٢٢٩» من سورة البقرة «٢».