الشر ، كما ورد في النص المجيد : (ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورَها وتقواها ) (١). فالانفس الانسانية الخاصة بالافراد متساوية بالاصل في الحد الادنى للفهم والادراك والعلم والحكمة وتحمّل المسؤولية ، ولكن الاختلاف ينشأ عندما يتغير توجه الافراد نحو فعل الخير او فعل الشر او تركهما معاً. ولذلك فان الاسلام ينادي بالعدالة الحقوقية باعتبار ان الافراد يجب ان يعاملوا بالتساوي على ضوء اعمالهم وحاجاتهم ، لا انهم متساوون بالمعاملة امام الدولة في هذه الحياة ، وامام الخالق العظيم يوم القيامة. وهذا الفرق مهمّ ، لانّنا سوف نظلم الافراد لو افترضنا ان من الحق النظر اليهم بصورة متساوية بالطبيعة ، اي بِغَضِّ النظر عن اعمالهم وقدراتهم. اما لو افترضنا ان مقياس العدالة هو ان يعاملوا بالتساوي مع ملاحظة الفروقات المتباينة في شخصياتهم وقابلياتهم ، فان تلك هي اقرب الصور الواقعية للانصاف والعدل ؛ وهو ما دعى اليه الاسلام تماماً.
وعلى ضوء ذلك ، فان العدالة الاجتماعية في الاسلام تتطلب ملاحظة الفروقات في شخصيات وقدرات وقابليات الافراد ، ولا تلحظ انهم متساوون بالاصل فتظلمهم دون علم. ومن اللافت للنظر ان النظريات الغربية جميعاً قد وقعت في هذا الفخ ، حيث نادت بالمساواة لا في التعامل الاجتماعي فحسب ، بل بالمساواة في اصل نشوء الافراد كما لاحظنا ذلك خلال مطالعاتنا السابقة لآراء (جيفرسون) و (روسو) و (كانت). وهو بلاشك يؤكد على كمال الرسالة الإلهية ، وضعف مقالة تلك النظريات
__________________
(١) الشمس : ٧ ـ ٨.