الالزام الاخلاقي بزعامة (جون دوي) (١) التي قالت بان الفرد ملزم اخلاقيا بتطبيق القانون الذي ينشئه النظام الاجتماعي ؛ لان هذا الالزام الاخلاقي لا ينشأ الا عن طريق العلم والمعرفة التي يكتسبها الانسان ؛ والخير او الشر ليس صفة للانسان ، بل انهما اثر من آثار تفاعل الطبيعة الانسانية مع المحيط والبيئة التي يعيش فيها الفرد. الا ان هذه المدرسة الاخلاقية تقع في خطأ واضح ؛ لانها تتجاهل حقيقة مهمة وهي ان لكل فرد استعداداً كامناً لفعل الخير او فعل الشر بغض النظر عن البيئة التي يعيش فيها الفرد ، وان الالزام الاخلاقي الذاتي الناشىء عن العلم والمعرفة لا يتحقق في الواقع الخارجي مالم تكن هناك سلطة ذاتية عليّاً تراقب النفس الانسانية ، وسلطة خارجية صارمة تعاقب المنحرف على انحرافه ؛ ولا تتكامل هاتان السلطتان الا في النظرية الدينية الاسلامية.
فمن استقراء النظرية الاجتماعية الاسلامية نستنتج حقيقة مهمة ، وهي ان الاسلام انما جاء باحكامه وتشريعاته لترتيب حياة البشرية ، عن طريق تنظيم الحياة الاجتماعية ، وجعل النظام الاجتماعي اساسا لسعادة الانسان. ولذلك قيل ان المرجحات الاصولية والفقهية المنصوصة هي مجرد وسيلة الى فهم الواقع الخارجي ، وليست غاية في نفسها ؛ بمعنى ان كل ما يقرب الانسان الى فهم واقعة الاجتماعي هو مرجح عند الفقيه سواء نص عليه الشارع او سكت عنه ، كما ورد في الحديث عن الامام الحسين بن علي (ع) : (دع ما يريبك الى ما لا يريبك) (٢). وعلى ضوء ذلك الفهم الاجتماعي
__________________
(١) (جون دوي). البحث عن اليقين. نيويورك : منتن ـ بالج ، ١٩٢٩ م.
(٢) انساب الاشراف للبلاذري. نسخة مخطوطة ص ٢٣٧ ب.