وإنّما الباعث لتقديم هذا الكتاب إلى القرّاء الكرام إيضاح بطلان دعوى من ادّعى المهدويّة والإمامة في عصر الغيبة ، وخصوصا الأزمنة الأخيرة ، وهذه فائدة يكون المسلمون في حاجة عظيمة إليها في عصرنا ، فإنّ أعداءنا لا يزالون يتمسّكون بأيّة وسيلة حصلت لهم في تشتيت كلمة المسلمين ، وايقاد نار الاختلاف والخصومات بينهم حتّى يسهل عليهم طريق الاستعمار والاستعباد ، والتغلّب على البلاد والعباد ، ولعمر الحقّ لم يذلّ المسلمين إلّا اختلافهم وتخاصمهم ، ولم يغلب أصحاب الباطل والكفر على أنصار الحقّ والإسلام إلّا لما وقع بينهم من المنازعات والمنابذات.
وممّا تعتبره تلك الأيدي الأثيمة ، والأهواء الفاسدة سببا لتشتّت كلمة المسلمين ، واشتغالهم بالمجادلات الداخليّة عوضا عن المدافعات الخارجيّة هو مسألة المهديّ أرواحنا فداه (١) ، فقد بعث لهذه الأغراض في
__________________
(١) نشر الدكتور أحمد أمين المصري رسالة أسماها «المهديّ والمهدوية» ، وردّ بزعمه أحاديث المهديّ ، واعتمد في ردّه على وجوه سقيمة ، أحدها : ضعف الأحاديث الواردة فيه ، وقد قرأت الجواب عنه ، وثانيها : مخالفة متونها لحكم العقل ، وجوابه :
أنّا لا نرى في ظهور مصلح في آخر الزمان من أهل البيت من ولد فاطمة صاحب الصفات والعلامات المذكورة في هذا الكتاب لتأييد الدين ، وتكميل النفوس ، وتطهير الأرض من الشرك والظلم وتخليصها من أيدي الجبابرة والظلمة مخالفة لحكم العقل ، ولو وجد في بعض أحاديثه ما يستبعد عادة وقوعه فليس مضرّا بغيره من الأخبار الكثيرة مع أنّ الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن هذا البعض أيضا كما أوضحناه في المتن ، وثالثها : وهو عمدة ما يدور كلامه حوله في رسالته أنّ لفكرة المهديّ والمهدويّة في الإسلام تاريخا طويلا محزنا ؛ لكثرة الثورات والحركات باسم المهديّ ، وما نال البلاد الإسلاميّة من الضعف الّذي سبّبته هذه الثورات ، وذكر تأييدا لنظريته بعض الحوادث المتّصلة بزعمه بفكرة المهدويّة تنبئ عن عدم اطّلاعه وتدرّبه في هذا الفن ، وعدم بصيرته بمعرفة الفرق ، ومبادئها وإحصائيّاتها إن لم نقل بأنّه ما كتب هذه الرسالة