أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك ، من أيّة حادثة تستنزف دمعتك ، وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال : فزفر الصادق عليهالسلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ عنها خوفه ، وقال : ويلكم ، نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الّذي خصّ الله به محمّدا والأئمّة من بعده عليهمالسلام ، وتأمّلت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطائه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدّس ذكره : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ـ يعني الولاية ـ فأخذتني الرقّة ، واستولت عليّ الأحزان ، فقلنا : يا ابن رسول الله ، كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرّسل عليهمالسلام : قدّر مولده تقدير مولد موسى عليهالسلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى عليهالسلام ، وقدّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح عليهالسلام ، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح ـ أعني الخضر عليهالسلام ـ دليلا على عمره ، فقلنا له : اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني ، قال عليهالسلام : أمّا مولد موسى عليهالسلام ، فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة فدلّوه على نسبه ، وأنّه يكون من بني إسرائيل ، ولم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفا وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه