أهل العراق؟ [فقال لي : من أي العراق؟] قلت : من الأهواز ، فقال لي : تعرف بها الخصيب؟ فقلت : رحمهالله ، دعي فأجاب ، فقال : رحمهالله ، فما كان أطول ليلته وأكثر تبتّله وأغزر دمعته! أفتعرف علي بن مهزيار؟ فقلت : أنا علي بن إبراهيم ، فقال : حيّاك الله أبا الحسن! ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام؟ فقلت : معي ، قال : أخرجها ، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها ، فلما أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه بالدموع ، وبكى منتحبا حتى بلّ أطماره ، ثم قال : اذن لك الآن يا ابن مهزيار! صر الى رحلك ، وكن على أهبة (١) من أمرك ، حتى إذا لبس الليل جلبابه ، وغمر الناس ظلامه ، سر الى شعب بني عامر فإنّك ستلقاني هناك ، فسرت الى منزلي ، فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمته شديدا ، وحملت وصرت في متنه وأقبلت مجدّا في السير ، حتى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي : يا أبا الحسن! إليّ ، فما زلت نحوه ، فلما قربت بدأني بالسلام وقال لي : سر بنا يا أخ! فما زال يحدّثني واحدّثه حتى تخرقنا (٢) جبال عرفات ، وسرنا الى جبال منى ، وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف ، فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول ، وقال لي : انزل فصلّ صلاة الليل فصلّيت ، وأمرني بالوتر فأوترت ، وكانت فائدة منه ، ثم أمرني بالسجود والتعقيب ، ثم فرغ من صلاته وركب ، وأمرني بالركوب ، وسار وسرت معه حتّى علا ذروة الطائف ، فقال : هل ترى شيئا؟ قلت : نعم ، أرى كثيب رمل عليه بيت شعر ، يتوقّد البيت نورا ، فلمّا أن رأيته طابت نفسي فقال لي : هناك
__________________
(١) الأهبة ـ بضم الهمزة وبسكون الهاء ـ : العدّة.
(٢) أي قطعناها ومررنا فيها عرضا على غير طريق.